في نهاية عام 2004 ، أصدر مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة كتاباً بعنوان « الإمبراطورية الشريرة » جمع ملخصات دقيقة لخمسة عشر كتاباً ، لكتاب أمريكيين ، ممن يحتلون مكانة مرموقة ، في أوساط الفكر والثقافة .. تشترك جميعها في موضوع واحد هو « أمريكا والعالم .. بعد عام 2001» . ولأن المقال لايتحمل ملخصات مكثفة لهذه الكتب جميعا . فإنني أكتفي بأن أجمع أفكارها الجوهرية ، في لوحة واحدة تكشف عن الحقيقة الأمريكية .. من وجهة نظر من يعرفونها أكثر مما نعرف ، ويحبونها أكثر ممانحب ، ويؤمنون بها أكثر مما نؤمن .. مجموعة من أهم رموز الفكر والثقافة في أمريكا .. عيبهم الوحيد أنهم يكرهون الزيف ومخلصون في طلب الحقيقة .. لوحة قد تفيدنا في التعامل معها .. أو على الأقل اتقاء شرورها .. مادامت تدس أنفها في أخص خصوصيات شعوب الأرض جميعا . إرهاب القوي .. وإرهاب الضعيف !!
في كتاب « السلطة والرعب » .. يؤكد الفيلسوف الأمريكي « نعوم تشومسكي» .. أن للإرهاب في عالمنا طرفان .. قوي وضعيف .. وإن إرهاب القوى أشد خطورة من إرهاب الضعيف.. بسبب الإمكانات الضخمة التي يمتلكها .. وأن الإرهاب في كل الأحوال / ومهما كانت الجهة التي يصدر عنها / عمل لا أخلاقي ولاإنساني .. ومع ذلك فنحن نسارع في إدانته إذا صدر عن غيرنا .. ونستهجن إدانته إن صدر عنا .. ومع أن الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لفلسطين هو أبشع أنواع الإرهاب .. فإننا لاندينه ونعطي الحق لها في أن تعتدي على جيرانها .. ثم نقيم الدنيا إذا تعرضت لأبسط الإعتداءات .
غياب الوضوح .. ووضوح الغياب !!
وفي كتاب « حرب السيدين بوش» لمؤلفه « إريك لوران» ..يؤكد الكاتب أن من سوء حظ العالم .. أن انهيار الاتحاد السوفيتتى، وحرب الخليج الأولى ، وتفجيرات سبتمبر 2001 ، واحتلال العراق ... كلها حدثت في حضور السيدين بوش.. الأب والابن .. ويكفي في هذا العصر أن نكشف عن قيمة واحدة من القيم التي حكمته ... يعكسا تصريحاً لـ« رامسفيلد» يرد فيه على الرأي العام العالمي ، الذي ساد قبل غزو العراق .. والذي يؤكد أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل ، ولاعلاقة له بتنظيم القاعدة ، ولايستطيع أن يستأنف صناعة أسلحة نووية أو بيولوجية .. رد عليهم بقوله « إن غياب الوضوح .. لايعني وضوح الغياب» .. وتلك هي القاعدة التي حكمت العنجهية والتسلط الأمريكي في السيدين بوش..
الصليبية الجديدة .. عودة إلى العصور الوسطى
في كتاب مسرح الحرب « مسرح الحرب» للمفكر الأمريكي « لويس لافام» يوضح الكاتب أنه رغم أن الحرب على العراق هي جزء لايتجزأ من السياسة التوسعية لأمريكا، التي تريد الهيمنة على العالم .. إلا أن قيادة بوش للحرب .. أظهرت بوضوح أنه كان يتعامل باعتباره قائد حملة صليبية جديدة ، تشبه حملات القرون الوسطى ... ولاغرابة في ذلك .. فقد ودع بوش الأب « سابقا» الجنود الأمريكيين إلى الصومال بقوله : ـ « إننا ننفذ إرادة اللّه بأن نخوض حربا عادلة مقدسة» .. وكذلك تصريح مشابه لوزير العدل الأمريكي بأنه « في أمريكا ليس لدينا ملك ، ولكن عندنا يسوع المسيح ، وأن الحرية الأمريكية هبطت علينا من السماء» .
عالة ثقيلة على العالم :
أما في كتاب « مابعد الإمبراطورية» لمؤلفه« إيمانويل توما». يؤكد المؤلف أنه بعد تفكك الاتحاد السوفيتتي أصبحت أمريكا مشكلة بالنسبة للعالم .. لأنها لكي تطيل عمرها تلجأ إلى إشعال الصرعات والحروب ، مطالبة العالم بأن يتبعها دون مناقشة على طريق الحرب ضد دول صغيرة مثل العراق وكوريا الشمالية ، كذلك فإن صراعها ضد الإرهاب يبرر لها إعلان حرب كونية دائمة تخضع فيها الدول لقيادتها ، كذلك فإن الحرب على الإرهاب مكنت الولايات المتحدة من إخفاء نواياها الحقيقية في السيطرة على القوى الاقتصادية الكبرى في العالم ، بكل من أوروبا وروسيا واليابان والصين .. إن المشكلة الحقيقية التي أصبح يعاني منها العالم تتمثل في أن أمريكا لاتستطيع أن تعيش إلا إذا نهبت إمكانات غيرها من دول العالم .. مع أن العالم واسع جدا.. ومتنوع إلى أقصى حد ولايمكن أن يقبل بهيمنة دولة واحدة .. مهما بلغت قوتها .. وأن عالم القرن الواحد والعشرين هو عالم متعدد الأقطاب والقوى .
بين قانون القوة .. وقوة القانون أما كتاب « أوروبا .. والنظام الأمريكي الجديد» .. الذي ألفه مجموعة من الخبراء ، وصدر عن دار « لوموند» .. فيوضح أن أمريكا تريد أن تفرض أمن المنظومة الليبرالية العالمية بالقوة العسكرية ، وتصر على استخدامها كيفما تريد .. بينما تريد أوروبا إعطاء أولوية للقانون والتفاوض والتعاون بين الأمم .. وفي هذا الاتجاه فرضت أمريكا على أوروبا قرار غزو العراق ،، ورفضت التوقيع على اتفاقية الحد من اطلاق الغازات الضارة بالغلاف الجوي ، وعارضت قيم المحكمة الدولية لمجرد أن إرادتها على الأوروبيين... وينبغي على الأوروبيين أن يستعيدوا درس العراق لكي يستعيدوا كرامتهم المهدورة أمام الصلف الأمريكى.
وداعا لزمن القطب الواحد :
في « تقرير مراقبة العالم» المتخصص في رصد حال ومستقبل العالم .. الذى يصدر سنويا تحت إشراف « جارى جاردنر» في جامعة نيويورك .. نلتقي بالمؤشرات التالية عن مستقبل العالم : ـ
٭ أن أوروبا / بعد توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوروبا الشرقية / ستتحول إلى فضاء اقتصادي وتجاري وحضاري عالمي.. يجعل مستقبلها أمامها لاخلفها .
٭ إن احتمال انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يمكن أن يساعد في تشكيل فضاء إسلامي واسع ومؤثر ، وتكون تركيا فيه همزة وصل بين أوروبا والعالم الإسلامي .
٭ إن أوروبا تثق بنفسها أكثر فأكثر وبعد أن تواضعت أهدافها أخذت تقوم بالمبادرات على النطاق العالمي .. كونها قوة من الدرجة الأولى في عالم متعدد الأطراف .
٭ إن اليابان تستعيد عافيتها ، بعد أن خرجت من الأزمة المالية التي وقعت لبضع سنوات .
٭ أما الصين فإنها تشق الطريق إلى الصفوف الأولى، ويتوقع لها الخبراء أن تتحول إلى قوة عظمى خلال عشر سنوات .
بالإضافة إلى هذا كله .. تتنامى الحركات االمعادية للعولمة الجائرة واللاإنسانية.. وتظهر قدرتها على النطاق العالمي على حشد الجماهير والشعوب في التصدي لمخاطرها.
وكل هذه المؤشرات تصب في استخلاص وحيد .. أن زمن القطب الواحد قد ولى إلى غير رجعة .. ليحل محله زمن الأقطاب المتعددة .
النسر الذي فقد ظله!..
كتاب « ظل النسر » لمؤلفه الكاتب الأمريكي المعروف « هيرتسجادر» فإنه يسجل رؤية العالم لأمريكا .. بعد زيارة لخمس عشرة دولة شرق أوسطية ، وإفريقية ، وآسيوسة ..سأل عديد من سكانها .. من مختلف الفئات الاجتماعية .. كيف ترون أمريكا ؟ واستخلص من إجاباتهم الحقائق التالية : ـ
- إن الناس في إفريقيا وآسيا يعرفون عن أمريكا كل شيء ولكن أمريكا لاتعرف عنهم أي شيء .. وفسر الكاتب هذه الظاهرة بأن أمريكا تعتقد أنها ليست بحاجة إلى أحد ، وأنها تفعل ماتريد بصرف النظر عن رأي وموقف الآخرين ... لكن حوادث سبتمبر 2001 قد أجبرتها على طرح الأسئلة عما يحدث في الشرق الأوسط، وفي مناطق أخرى من العالم . - إن السياسة الأمريكية لاتمثل الشعب الأمريكي فالشعب الأمريكي لم يتخذ مثلاً قرار الحرب في فيتنام .. ولذلك شعر بالظلم ، وهو يضرب في عقر داره في سبتمبر 2001 .
- أنه إذا كان كثير من الناس في كل بلاد العالم يعيشون في ظل النسر الأمريكي على المطاعم والموسيقى والأفلام والمسلسلات الأمريكية .. فإنه نتيجة للسياسات الخاطئة .. بدأ ظل النسر ينحسر بسرعة عن كثير من مناطق العالم .
الرعب الحقيقي
كتاب «مواجهة الرعب» .. تأليف مشترك بين «روبرت سيلفرز ، وبربارة أبستين» والروائي التركي « أورهان باموق» .. ونلتقي فيه .. بباقة أخرى من الأفكار :-
-اعتبرت أمريكا أن الإرهاب هو الرعب الأكبر .. وهو الخطر الأكبر الذي يهدد أمريكا .. فواجهته بالقوة والانفراد بقرار العالم .
- أن هذه الغطرسة سببت لها العداء في كل مكان في العالم .
-إن أمريكا لاتريد أن تعترف أن جذور الإرهاب تكمن في الفقر المتزايد في جنوب العالم في مواجهة الغنى الأمريكي الفاحش ، وفي التمييز الواضح بين الإسرائيليين والعرب ، وفي الأنانية الفجة التي تدفعها إلى التفكير بمصالحها فقط ، وفي الاستهانة بالآخرين ، وفي النفاق المكشوف بين القوى الكبرى التي أعلنت تحالفها مع أمريكا ورضيت بانفرادها وحدها بقرار العالم .
- إن أمريكا - لكل ذلك - مواجهة بغضب المعذبين في الأرض وأن العداء لها يعود إلى الذل والمهانة الذي تشعر به شعوب العالم الثالث الذي تتوسع فيه شرائح الفقر بصورة مخيفة .. دون أن تدرك حقيقة أن الفقر كافر وأن الجوع لايرحم !!.
القوة .. وعكاز القوة .
كتاب « السنة الاستراتيجية 2003» من تأليف « باسكال يونيفاس» بالاشتراك مع عدد كبير من الباحثين ، صدر عن « معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية » بباريس فيه يقدم الباحثون رؤيتهم للعالم ، في مختلف الميادين الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية .. ويستخلصون هذه الأفكار :-
- أنه رغم السيطرة العالمية لأمريكا ، ورغم أنها تنفق 37 % من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم .. فقد أصابتهم تفجيرات سبتمبر في القلب الرمزي لقوتهم الاقتصادية ، وفوق أرضهم ، ولأول مرة منذ عام 1812.
- أن نزعة التصرف المنفرد للولايات المتحدة في واجهة أزمتها ، والتأكيد الدائم على أن «من ليس معنا فهو ضدنا » سوف يؤدي في المستقبل إلى تغذية النزعة المعادية لأمريكا أكثر فأكثر .
- أن العالم يشهد تعاظماً لدور الثقافة لتصبح العالم الأساس في قوة الأمم ، وأن الأمريكيين يعتبرون أن الثقافة هي « حصان طروادة » في هيمنتهم على العالم .
- كذلك فإن الثقافة هي قوة الضعفاء ، ومن خلال تفاعلها مع غيرها من ثقافات العالم استطاعت أن تسهم في بناء عالم مشبع بالقوة والحيوية .. إن استمرار المواجهات مع الحركات المناهضة للعولمة .. واستمرار تجاهل مطالبها يعقد أزمة السياسة الأمريكية ، ويعري ويكشف حقيقتها ، ومواقفها اللاإنسانية ، والأخلاقية .
العنقاء .. وانتصار الشعوب . أما في كتاب «عنقاء الديمرقراطية » لمؤلفته «بيتا نوريس » أستاذ العلوم السياسية المقارنة بمدرسة جون كنيدي للحكم في جامعة هارفارد .. فتمد بصرها على امتداد الأفق لترى :-
- أن حب الناس للديموقراطية يشبه طائر العنقاء الأسطوري ، الذي ينبعث من رماده من جديد ، أقوى مما كان ، في كل مرة يموت فيها !!!.
- إن تزايد عدد المضربين عن التصويت ، بصورة لا مثيل لها ، يكشف في وضوح كامل عن الجوهر الديكتاتورى للديموقراطية .
- إن الأنظمة الاستبدادية .. وبصورة خاصة .. في البلاد النامية .. يعترفون بضرورة مشاركة الشعوب في الانتخابات ولذلك فإن الانتخابات والاستفتاءات الصورية مزيفة .. تصوت للزعيم بنسبة 99 % من الأصوات .
إن الانتساب إلى الأحزاب السياسية في الغرب ، قد انخفض منذ عام 1980بنسبة غير مسبوقة ، تسحب عن الانتخابات والأنظمة الناتجة عنها كل شرعية .. ويفسر الناخب الغربي ظاهرة العزوف هذه .. بأن شيئاً لم يتغير صوتاً سواء صوتوا أم لم يصوتوا !!! ، وإن اليمين واليسار وجهان لذات العملة .
نشر بصحيفة الزحف الاخضر بتاريخ 2/12/2010
http://www.azzahfalakhder.com/ar/content/view/15281/28/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق