الوصول إلى الفقراء
هل يستطيع التنظيم العالمي الراهن أن يصل حقاً إلى الفقراء في عالمنا ..؟، وهل يرغب - حقاً- في استئصال جذور آفة الفقر ، أو حتى التخفيف من آثارها ..؟ وهل يستطيع أغنياء العالم ومترفوه .. الذين اغتصبوا أكبر حصة من ثروة العالم .. هل يستطيعون أن ينتشلوا من براثنه بعضا ممن وقع عليهم البلاء بأكبر نصيب من الفقر ، وأوفر حصة من آثاره ؟.
ربما تبدأ الإجابة عن هذا السؤال المركب من محاولة الإحاطة « بمشكلة الفقر .. والفقراء .. والأكثر فقراً » .. في عالمنا المعاصر ، إلى الكشف عن أبعادها الإنسانية ، وتقصى آثارها على حاضر الجنس البشر ومستقبله ، ثم إلى أسلوب مواجهتها عالمياً ، ومدى صدق هذه المواجهة .. وذلك قبل الحديث عن الرؤية الجماهيرية ، ومواجهة المجتمع الجماهيري لمشكلة الفقر .. .
أولاً : الفقر .. والفقراء والأكثر فقراً
بقدر ما قدمته طفرة الاتصال والمعلومات من فرص وإمكانات بغير حدود لتحقيق الحرية ، وتحرير الحاجة ، فإن عالمنا .. ومع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لا يزال محكوماً بمفارقة مثيرة .. تتمثل في استمرار انتشار الفقر ، وتفاقم آثاره .. بطريقة تكشف الطابع اللإنساني للحضارة السائدة في عالم اليوم وتعرّية عندما نقترب من حقيقة حجم مأساة الفقر في عالمنا المعاصر .. نجد أنفسنا أمام ثلاث درجات من مستويات تغلغله في جسد العالم وشرايينه الفقر المدقع .. أو الأكثر فقراً .. وهي الحالة المتأخرة للمرض التي تسبق الموت مباشرة .. وسنجد ضحاياها بمعيار الدخل يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً يشكلون خمس سكان كوكب الأرض ، ويصل عددهم إلى 1.31ملياراً .. غالبيتهم الساحقة من البلاد النامية .. وتحتل النساء بينهم نسبة أعلى من الرجال .. أما عنوانهم الدائم على خريطة العالم .. إفريقيا جنوب الصحراء ، وجنوب وغرب آسيا ، والصين ، وأمريكا اللاتينية ، والبحر الكاريبي .. يشاركهم مأساة الفقر المدقع ، الشعوب الأصلية ، والمهاجرون غير الشرعيين في الدول الغنية ..!!
< ضحايا الجوع أو الدرجة الثانية من درجات تغلغل المرض .. أعراضه الظاهرة هي الافتقار إلى الحد الأدنى من الأمان ، بسبب العجزة عن تدبير الاحتياجات الأساسية ، أو التمتع بالحقوق الأساسية .. سنجد ضحايا هذه الأعراض أكثر من ثلاثة مليارات نسمة من العالم النامي ، قرابة نصف سكان الكوكب ، عددهم ينمو دون توقف .. أما آثاره المأساوية .. فيكفينا أن نرصدها على ضحاياها من أطفال الدول النامية خلال قائمة مثيرة تضم ثمانية ملايين طفل يموتون جوعاً كل عام ، وتضم القائمة خمسين مليونا يصابون بعجز عقلي أو بدني ، ومائة وثلاثين مليونا يحرمون من فرص الدارسة ، ومائة وخمسين مليونا دون سن الخامسة يصابون بسوء التغذية ، ومائتي وستين مليونا يعانون من فقر الدم !.
< من هُمْ في دائرة الفقر .. إنهم بتعريف الأمم المتحدة من يعانون «الحرمان من الخيارات والفرص ، وانتهاك الكرامة الإنسانية ،» وليست لديهم القدرة على المشاركة بفاعلية في المجتمع » .. ويعانون مادياً من عدم توفر ما يكفي لغذاء الأسرة وكسائها ، أو في عدم وجود مدرسة أو عيادة يمكن الذهاب إليها ، أو أرض لزراعة الأنتاج الغذائي ، أو عمل لكسب العيش ، أو ما يستتبع ذلك من شعور الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية بعدم الأمان ، والضعف ، والاستعباد ، والتعرض للعنف ».
إذا اعتمدنا تعريف الأمم المتحدة أو توصيفها للفقر .. وإذا كانت كل درجة من درجات المرض .. تشمل - بالضرورة- أعداد الضحايا من الدرجات التالية لها .. فإننا سنجد أن 75% من سكان الكوكاً يعيشون في دائرة الفقر . هذا في الوقت الذي تؤكد كل الدراسات أن كوكباً يمتلك من الإمكانات والموارد مايكفي لتحقيق الرفاهة لكل سكان الكوكب .
ثانيا : المواجهة العالمية .. لمشلكة الفقر
منذ التسعينات ، وخلال القمة العالمية للتنمية الاجتماعية التي انعقدت في كوبنهاجن عام 1995مسيحي ، أكد 117رئيس دولة ، وممثلون عن بقية دول العالم « بأن القضاء على الفقر يشكل حتمية أخلاقية واجتماعية وسياسية واقتصادية للبشرية » ، كما أعلنت القمة في حينها إطاراً عاماً لحركة الأمم والشعوب في اتجاه تحقيق هذا الهدف .
« أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن » إشباع الحاجات البشرية الأساسية عنصر ضروري للقضاء على الفقر ، وأن هنالك ترابطاً وثيقاً بين الاحتياجات الصحية ، والتعليمية ، والإسكانية والثقافية « .. ولقد تحولت مقاومة الفقر إلى هدف مهمين على منظومة الأمم المتحدة / وبصورة خاصة في برنامجها الإنمائي /، » .
في الواقع ، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من خلال تقارير التنمية البشرية قد ساهم .. في الاتجاهات التالية :-
أولاً : - اعتبار أن الفقر هو «مايفرض من الخارج من غياب الفرص والاختيارات ، الأكثر أساسية للتنمية البشرية مثل فرصة العيش حياة طويلة وسليمة ، والتمتع بمستوى معيشي لائق بالإضافة إلى التمتع بالحرية والكرامة ، واحترام الذات واحترام الآخرين ».
< إن هنالك ترابطاً بين حقوق الإنسان ، والتنمية البشرية المستدامة .. فلا يمكن أن تكون التنمية البشرية مستدامة في غياب الأنصاف ، وحكم القانون .. أو في وجود بوادر التمييز العرقي ، أو الديني ، أو التمييز بين الجنسين .
< إن العالم لديه القدرة و القضاء على الفقر المطلق ، وإن منظومة الأمم المتحدة تلتزم توجيه المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف < إن الاستثمار من أجل الفقراء « بما فيهم النساء والأطفال» يتيح أفضل ضمان للنمو المتواصل ؛لأنه ينطوي على تحقيق مكاسب إنتاجية في المستقبل .
< إن القضاء على الفقر يمثل شرطاً غنّياً عنه للسلام ، والقبول بتحديات التنمية .. وإنه بدون المشاركة الفعالة للفقراء في التنمية لايمكن مواجهة مشكلة الفقر .
ثانيا :- اعتبرت الجمعية العامة أن مواجهة الفقر .. تبدأ بإقرار الحق في التنمية كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ، وأن التنمية بهذا المعنى .. هي عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة ، تستهدف التحسين المستمر لتحقيق الرفاهة لكل السكان على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في التنمية ، وفي التوزيع العادل للفوائد الناتجة عنها .
إن حق التنمية لكل إنسان ، ولكل الشعوب يتجسد في وجود خطة للتنمية الشاملة يتمتع كل بثمارها .
ثالثاً :- إن خطة التنمية الشاملة يتعين أن تتأسس على إستراتيجية «حق الإنسان في التنمية» ، وعلى وجوده - فاعلاً - في توفير متطلباتها .. بدلاً من « إستراتيجية الاحتياجات الأساسية للفقراء » .. التي تحمل في حياتها بعض الشفقة ، وتستبطن معنى المنّ على المواطنين المحتاجين .
رابعاً :- إن مثل هذه الإستراتيجية لايمكن أن توحد إلا على أساس واحد .. هي أن يكون الإنسان موضوعاها الرئيس ، وهو هدف التنمية وأدائها في الوقت نفسه .
2/5 لقد قدمت هذه القناعات لتبني خطة متكاملة بالتصدى للفقر يلخصها أمين عام الأمم المتحدة .. أمام الجمعية العمومية على النحو التالي :-
في ظل مكاسب اقتصادية لم يسبق لها مثيل .. هناك 1.2مليار شخص عليهم أن يعيشوا على أقل من دولار واحد ، ويقترن هذا الفقر المدقع بتفاوت شديد بين البلدان ، و تفاوت أشد في داخلها في كثير من الأحيان ، ما يشكل إهانة كبرى لإنسانيتنا المشتركة ، ويفاقم مشاكل كثيرة من بينهما الصراعات الدموية ..
إن تعداد سكان العالم لايزال يرتفع بسرعة الزيادة التعددية وترتكز في أشد البلدان فقرا .. ولابد لنا كذلك من العمل على خفض الفقر المدقع بمقدار النصف في أنحاء العالم كافةً قبل 2015 .. وذلك في المجالات التالية :-
تحقيق التنمية المستدامة - وهذا يعني قبل كل شيء ضمان تمكين جميع الناس بالبلدان النامية في الاستفادة من النماء للإيجابية للعولمة .
تأمين التعليم الابتدائي لجميع الأطفال بحلول عام 2015، مع إتاحة فرص متكافئة للجنسين في جميع مراحل التعليم .
< إيجاد سبل توفير فرص العمل الكريم للشباب تجاه المشاكل التي تؤثر على 90% من سكان العالم < تخفيض معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة بين الشباب بنسبة 25% بحلول عام 2010.
< الارتقاء بمستوى الأحياء العشوائية .. ودعم خطة العمل التي تحمل اسم « مدن بلا أحياء عشوائية ..» التي تستهدف تحسين معيشة 100مليون يقطنون تلك الأحياء بحلول عام 2020.
< معالجة أوضاع الإنتاجية الزراعية المنخفضة في إفريقيا . وحث دول العالم على مساعدتها .
< بناء جسور رقمية تربط البلدان الغنية بالبلدان النامية ، وتساعدهم على القفز فوق المراحل الأولى من التنمية ، وبذل كل مايمكن وصول شعوبها إلى شبكات المعلومات .
< أن تقوم البلدان الغنية بفتح أسواقها أمام منتجات البلدان الفقيرة ، وأن تخفف عليها من عبء الديون بشكل أعمق وأسرع ، وأن تقدم المزيد من المساعدة الإنمائية الأفضل توجيها .
أخيراً أن تتحول هذه الخطة إلى برنامج عام تمتد واجباته إلى عام 2015.. وهو مايعرف ببرنامج أهداف الألفية الذي يمكن تلخيصه على النحو التالي :-
< القضاء على الفقر المدقع والجوع بتخفيض نسبة من يحصلون على أقل من دولار، ومن يعانون الجوع إلى النصف حتى عام 2015مسيحي .
< تحقيق التعليم الأساسي على مستوى العام ، و ضمان حق التعليم الأساسي لكل الأطفال البنيين والبنات حتى بداية 2015مسيحي .
< تحقيق المساواة بين الجنسين ، وتمكين المرأة من القضاء على التفرقة بين الجنسين في كل مراحل التعليم في وقت لا يتجاوز 2015 مسيحي .
< تخصيص الأطفال حتى عام
015 2تحسين صحة المرأة الحامل و تخفيض نسبة وفاة النساء الحوامل بنسبة 75% حتى عام 2015.
< معالجة فيروس نقص المناعة المكتسبة ، وقت انتشار الفيروس حتى عام 2015.
< استمرارية تحسين البيئة ، حل مشاكل المياه والمناطق العشوائية ، وبناء شراكات من أجل البيئة ، وتطوير نظام يتجاوب مع متطابات ذوي الاحتياجات الخاصة .
من الطبيعي أن تتحول هذه الإستراتيجية إلى إستراتيجيات فرعية على المتسوى الوطني .. وإلى خطط وبرامج تستهدف القضاء على الفقر ، والتحرر من عبودية الحاجة ، بمشاركة واسعة من المواطنين .. ويكاد يكون هنالك اتفاق عام ، في إطار المبادئ التي أعلنتها الأمم المتحدة ..
يرتكز برنامج مواجهة الفقر على المستوى الوطني .. على مجموعة من القيم التي تحكم هذه المواجهة .. وعلى مهمات عملية أو برامج تقنية تحققها في الواقع العملي .
أما من ناحية القيم فتتمثل في :-
- إدارة سياسية مؤمنة بحق كل الناس في الحياة والحرية والكرامة الإنسانية .
- مفهوم واضح لحقوق الإنسان يتخطى الحقوق الشكلية إلى حق الإنسان الجذري في السلطة ، والثروة .
- رؤية موضوعية لقضية الفقر في ارتباطها الوثيق بحقوق الإنسان ، والتنمية والعدالة . أما على مستوى المهمات العملية والبرامج فقد تم :- .
- تنفيذ تنمية مقاومة للفقر تحقق النمو الاقتصادي لصالح الفقراء .
- توفير بنية تحتية مادية تستهدف المجتمعات ذات الدخل المنخفض .
- توفير الخدمات الأساسية لكل الناس ، وتوفير فرص عمل دائمة للفقراء .
- تحقيق المساواة والإنصاف بين الجنسين في الفرص والمسؤوليات .
- تحقيق الأمن الغذائي للأسر ذات الدخل المنخفض .
- تمكين الفقراء من السلطة ، وضمان حسن إدارة الموارد .
- إدامة تجديد الموارد التي يعتمد عليها الفقراء .
- الحماية الاجتماعية للفئات المضطهدة .
يرتكز برنامج مواجهة فجر على الأسس التالية :-
< حق الإنسان في الكرامة الاجتماعية ، وفي التعليم ، والعمل ، والصحة ، والغداء ، وحق المرأة في المساواة مع الرجل في الفرص والمسؤوليات ، وفي الحقوق المدنية والسياسية .
< تنفيذ مبادرات تشريعية تتعلق بضمان حد أدنى من الدخل والتمويل الصغير ، وصناديق الاستثمار لصالح الفقراء ، وإعادة التدريب المهني ، والبرامج الإعلامية لكل الناس ، وقوانين مكافحة الفساد ، وإدارة محلية تتسم بالحيوية والنشاط .
< ضمان حقوق الإنسان في حد أدنى من الدخل وفي تمويل المشروعات في حد أدنى من الدخل ، وفي تمويل المشروعات الصغيرة ، وفي الاستفادة من صناديق الاستثمارات الاجتماعية ، وفي الاستفادة من البرامج التدريبية ، وحق التقنيات في التعليم المجاني ، و المشاركة في البرامج الإعدادية ، وفي نظام ضريبي ونهائي يتم بالعدالة والنزاهة ..
المحتويات
مقدمة
أولاً : الفقراء ، والفقر ، والأكثر فقراً .
ثانيا : المواجهة العالمية ... لمشكلة الفقر.
ثالثا : الطريقة العالمية لمشكلة الفقر. رابعاً : مؤسسات التوثيق والوساطة والرقابة ومشكلة الفقر .
خامساً : منظمة الموفقين والوسطاء والرقابيين الأفارقة .. الفقر في إفريقيا
سادساً : النظرية الجماهيرية .. ومشكلة الفقر سابعاً : المجتمع الجماهيري .. ومشكلة الفقر .
ثامناً : نحو برنامج عالمي لتحدي الفقر .
محمد رضــــا طلبة
نشر فى الزحف الاخضر
الخميس, 1 صفر 1379 و.ر الموافق 6 يناير 2011 الـعــدد6001
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق