في نهاية عام 2004 ، أصدر مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة كتاباً بعنوان « الإمبراطورية الشريرة » جمع ملخصات دقيقة لخمسة عشر كتاباً ، لكتاب أمريكيين ، ممن يحتلون مكانة مرموقة ، في أوساط الفكر والثقافة .. تشترك جميعها في موضوع واحد هو « أمريكا والعالم .. بعد عام 2001» . ولأن المقال لايتحمل ملخصات مكثفة لهذه الكتب جميعا . فإنني أكتفي بأن أجمع أفكارها الجوهرية ، في لوحة واحدة تكشف عن الحقيقة الأمريكية .. من وجهة نظر من يعرفونها أكثر مما نعرف ، ويحبونها أكثر ممانحب ، ويؤمنون بها أكثر مما نؤمن .. مجموعة من أهم رموز الفكر والثقافة في أمريكا .. عيبهم الوحيد أنهم يكرهون الزيف ومخلصون في طلب الحقيقة .. لوحة قد تفيدنا في التعامل معها .. أو على الأقل اتقاء شرورها .. مادامت تدس أنفها في أخص خصوصيات شعوب الأرض جميعا . إرهاب القوي .. وإرهاب الضعيف !!
في كتاب « السلطة والرعب » .. يؤكد الفيلسوف الأمريكي « نعوم تشومسكي» .. أن للإرهاب في عالمنا طرفان .. قوي وضعيف .. وإن إرهاب القوى أشد خطورة من إرهاب الضعيف.. بسبب الإمكانات الضخمة التي يمتلكها .. وأن الإرهاب في كل الأحوال / ومهما كانت الجهة التي يصدر عنها / عمل لا أخلاقي ولاإنساني .. ومع ذلك فنحن نسارع في إدانته إذا صدر عن غيرنا .. ونستهجن إدانته إن صدر عنا .. ومع أن الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لفلسطين هو أبشع أنواع الإرهاب .. فإننا لاندينه ونعطي الحق لها في أن تعتدي على جيرانها .. ثم نقيم الدنيا إذا تعرضت لأبسط الإعتداءات .
غياب الوضوح .. ووضوح الغياب !!
وفي كتاب « حرب السيدين بوش» لمؤلفه « إريك لوران» ..يؤكد الكاتب أن من سوء حظ العالم .. أن انهيار الاتحاد السوفيتتى، وحرب الخليج الأولى ، وتفجيرات سبتمبر 2001 ، واحتلال العراق ... كلها حدثت في حضور السيدين بوش.. الأب والابن .. ويكفي في هذا العصر أن نكشف عن قيمة واحدة من القيم التي حكمته ... يعكسا تصريحاً لـ« رامسفيلد» يرد فيه على الرأي العام العالمي ، الذي ساد قبل غزو العراق .. والذي يؤكد أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل ، ولاعلاقة له بتنظيم القاعدة ، ولايستطيع أن يستأنف صناعة أسلحة نووية أو بيولوجية .. رد عليهم بقوله « إن غياب الوضوح .. لايعني وضوح الغياب» .. وتلك هي القاعدة التي حكمت العنجهية والتسلط الأمريكي في السيدين بوش..
الصليبية الجديدة .. عودة إلى العصور الوسطى
في كتاب مسرح الحرب « مسرح الحرب» للمفكر الأمريكي « لويس لافام» يوضح الكاتب أنه رغم أن الحرب على العراق هي جزء لايتجزأ من السياسة التوسعية لأمريكا، التي تريد الهيمنة على العالم .. إلا أن قيادة بوش للحرب .. أظهرت بوضوح أنه كان يتعامل باعتباره قائد حملة صليبية جديدة ، تشبه حملات القرون الوسطى ... ولاغرابة في ذلك .. فقد ودع بوش الأب « سابقا» الجنود الأمريكيين إلى الصومال بقوله : ـ « إننا ننفذ إرادة اللّه بأن نخوض حربا عادلة مقدسة» .. وكذلك تصريح مشابه لوزير العدل الأمريكي بأنه « في أمريكا ليس لدينا ملك ، ولكن عندنا يسوع المسيح ، وأن الحرية الأمريكية هبطت علينا من السماء» .
عالة ثقيلة على العالم :
أما في كتاب « مابعد الإمبراطورية» لمؤلفه« إيمانويل توما». يؤكد المؤلف أنه بعد تفكك الاتحاد السوفيتتي أصبحت أمريكا مشكلة بالنسبة للعالم .. لأنها لكي تطيل عمرها تلجأ إلى إشعال الصرعات والحروب ، مطالبة العالم بأن يتبعها دون مناقشة على طريق الحرب ضد دول صغيرة مثل العراق وكوريا الشمالية ، كذلك فإن صراعها ضد الإرهاب يبرر لها إعلان حرب كونية دائمة تخضع فيها الدول لقيادتها ، كذلك فإن الحرب على الإرهاب مكنت الولايات المتحدة من إخفاء نواياها الحقيقية في السيطرة على القوى الاقتصادية الكبرى في العالم ، بكل من أوروبا وروسيا واليابان والصين .. إن المشكلة الحقيقية التي أصبح يعاني منها العالم تتمثل في أن أمريكا لاتستطيع أن تعيش إلا إذا نهبت إمكانات غيرها من دول العالم .. مع أن العالم واسع جدا.. ومتنوع إلى أقصى حد ولايمكن أن يقبل بهيمنة دولة واحدة .. مهما بلغت قوتها .. وأن عالم القرن الواحد والعشرين هو عالم متعدد الأقطاب والقوى .
بين قانون القوة .. وقوة القانون أما كتاب « أوروبا .. والنظام الأمريكي الجديد» .. الذي ألفه مجموعة من الخبراء ، وصدر عن دار « لوموند» .. فيوضح أن أمريكا تريد أن تفرض أمن المنظومة الليبرالية العالمية بالقوة العسكرية ، وتصر على استخدامها كيفما تريد .. بينما تريد أوروبا إعطاء أولوية للقانون والتفاوض والتعاون بين الأمم .. وفي هذا الاتجاه فرضت أمريكا على أوروبا قرار غزو العراق ،، ورفضت التوقيع على اتفاقية الحد من اطلاق الغازات الضارة بالغلاف الجوي ، وعارضت قيم المحكمة الدولية لمجرد أن إرادتها على الأوروبيين... وينبغي على الأوروبيين أن يستعيدوا درس العراق لكي يستعيدوا كرامتهم المهدورة أمام الصلف الأمريكى.
وداعا لزمن القطب الواحد :
في « تقرير مراقبة العالم» المتخصص في رصد حال ومستقبل العالم .. الذى يصدر سنويا تحت إشراف « جارى جاردنر» في جامعة نيويورك .. نلتقي بالمؤشرات التالية عن مستقبل العالم : ـ
٭ أن أوروبا / بعد توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوروبا الشرقية / ستتحول إلى فضاء اقتصادي وتجاري وحضاري عالمي.. يجعل مستقبلها أمامها لاخلفها .
٭ إن احتمال انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يمكن أن يساعد في تشكيل فضاء إسلامي واسع ومؤثر ، وتكون تركيا فيه همزة وصل بين أوروبا والعالم الإسلامي .
٭ إن أوروبا تثق بنفسها أكثر فأكثر وبعد أن تواضعت أهدافها أخذت تقوم بالمبادرات على النطاق العالمي .. كونها قوة من الدرجة الأولى في عالم متعدد الأطراف .
٭ إن اليابان تستعيد عافيتها ، بعد أن خرجت من الأزمة المالية التي وقعت لبضع سنوات .
٭ أما الصين فإنها تشق الطريق إلى الصفوف الأولى، ويتوقع لها الخبراء أن تتحول إلى قوة عظمى خلال عشر سنوات .
بالإضافة إلى هذا كله .. تتنامى الحركات االمعادية للعولمة الجائرة واللاإنسانية.. وتظهر قدرتها على النطاق العالمي على حشد الجماهير والشعوب في التصدي لمخاطرها.
وكل هذه المؤشرات تصب في استخلاص وحيد .. أن زمن القطب الواحد قد ولى إلى غير رجعة .. ليحل محله زمن الأقطاب المتعددة .
النسر الذي فقد ظله!..
كتاب « ظل النسر » لمؤلفه الكاتب الأمريكي المعروف « هيرتسجادر» فإنه يسجل رؤية العالم لأمريكا .. بعد زيارة لخمس عشرة دولة شرق أوسطية ، وإفريقية ، وآسيوسة ..سأل عديد من سكانها .. من مختلف الفئات الاجتماعية .. كيف ترون أمريكا ؟ واستخلص من إجاباتهم الحقائق التالية : ـ
- إن الناس في إفريقيا وآسيا يعرفون عن أمريكا كل شيء ولكن أمريكا لاتعرف عنهم أي شيء .. وفسر الكاتب هذه الظاهرة بأن أمريكا تعتقد أنها ليست بحاجة إلى أحد ، وأنها تفعل ماتريد بصرف النظر عن رأي وموقف الآخرين ... لكن حوادث سبتمبر 2001 قد أجبرتها على طرح الأسئلة عما يحدث في الشرق الأوسط، وفي مناطق أخرى من العالم . - إن السياسة الأمريكية لاتمثل الشعب الأمريكي فالشعب الأمريكي لم يتخذ مثلاً قرار الحرب في فيتنام .. ولذلك شعر بالظلم ، وهو يضرب في عقر داره في سبتمبر 2001 .
- أنه إذا كان كثير من الناس في كل بلاد العالم يعيشون في ظل النسر الأمريكي على المطاعم والموسيقى والأفلام والمسلسلات الأمريكية .. فإنه نتيجة للسياسات الخاطئة .. بدأ ظل النسر ينحسر بسرعة عن كثير من مناطق العالم .
الرعب الحقيقي
كتاب «مواجهة الرعب» .. تأليف مشترك بين «روبرت سيلفرز ، وبربارة أبستين» والروائي التركي « أورهان باموق» .. ونلتقي فيه .. بباقة أخرى من الأفكار :-
-اعتبرت أمريكا أن الإرهاب هو الرعب الأكبر .. وهو الخطر الأكبر الذي يهدد أمريكا .. فواجهته بالقوة والانفراد بقرار العالم .
- أن هذه الغطرسة سببت لها العداء في كل مكان في العالم .
-إن أمريكا لاتريد أن تعترف أن جذور الإرهاب تكمن في الفقر المتزايد في جنوب العالم في مواجهة الغنى الأمريكي الفاحش ، وفي التمييز الواضح بين الإسرائيليين والعرب ، وفي الأنانية الفجة التي تدفعها إلى التفكير بمصالحها فقط ، وفي الاستهانة بالآخرين ، وفي النفاق المكشوف بين القوى الكبرى التي أعلنت تحالفها مع أمريكا ورضيت بانفرادها وحدها بقرار العالم .
- إن أمريكا - لكل ذلك - مواجهة بغضب المعذبين في الأرض وأن العداء لها يعود إلى الذل والمهانة الذي تشعر به شعوب العالم الثالث الذي تتوسع فيه شرائح الفقر بصورة مخيفة .. دون أن تدرك حقيقة أن الفقر كافر وأن الجوع لايرحم !!.
القوة .. وعكاز القوة .
كتاب « السنة الاستراتيجية 2003» من تأليف « باسكال يونيفاس» بالاشتراك مع عدد كبير من الباحثين ، صدر عن « معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية » بباريس فيه يقدم الباحثون رؤيتهم للعالم ، في مختلف الميادين الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية .. ويستخلصون هذه الأفكار :-
- أنه رغم السيطرة العالمية لأمريكا ، ورغم أنها تنفق 37 % من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم .. فقد أصابتهم تفجيرات سبتمبر في القلب الرمزي لقوتهم الاقتصادية ، وفوق أرضهم ، ولأول مرة منذ عام 1812.
- أن نزعة التصرف المنفرد للولايات المتحدة في واجهة أزمتها ، والتأكيد الدائم على أن «من ليس معنا فهو ضدنا » سوف يؤدي في المستقبل إلى تغذية النزعة المعادية لأمريكا أكثر فأكثر .
- أن العالم يشهد تعاظماً لدور الثقافة لتصبح العالم الأساس في قوة الأمم ، وأن الأمريكيين يعتبرون أن الثقافة هي « حصان طروادة » في هيمنتهم على العالم .
- كذلك فإن الثقافة هي قوة الضعفاء ، ومن خلال تفاعلها مع غيرها من ثقافات العالم استطاعت أن تسهم في بناء عالم مشبع بالقوة والحيوية .. إن استمرار المواجهات مع الحركات المناهضة للعولمة .. واستمرار تجاهل مطالبها يعقد أزمة السياسة الأمريكية ، ويعري ويكشف حقيقتها ، ومواقفها اللاإنسانية ، والأخلاقية .
العنقاء .. وانتصار الشعوب . أما في كتاب «عنقاء الديمرقراطية » لمؤلفته «بيتا نوريس » أستاذ العلوم السياسية المقارنة بمدرسة جون كنيدي للحكم في جامعة هارفارد .. فتمد بصرها على امتداد الأفق لترى :-
- أن حب الناس للديموقراطية يشبه طائر العنقاء الأسطوري ، الذي ينبعث من رماده من جديد ، أقوى مما كان ، في كل مرة يموت فيها !!!.
- إن تزايد عدد المضربين عن التصويت ، بصورة لا مثيل لها ، يكشف في وضوح كامل عن الجوهر الديكتاتورى للديموقراطية .
- إن الأنظمة الاستبدادية .. وبصورة خاصة .. في البلاد النامية .. يعترفون بضرورة مشاركة الشعوب في الانتخابات ولذلك فإن الانتخابات والاستفتاءات الصورية مزيفة .. تصوت للزعيم بنسبة 99 % من الأصوات .
إن الانتساب إلى الأحزاب السياسية في الغرب ، قد انخفض منذ عام 1980بنسبة غير مسبوقة ، تسحب عن الانتخابات والأنظمة الناتجة عنها كل شرعية .. ويفسر الناخب الغربي ظاهرة العزوف هذه .. بأن شيئاً لم يتغير صوتاً سواء صوتوا أم لم يصوتوا !!! ، وإن اليمين واليسار وجهان لذات العملة .
نشر بصحيفة الزحف الاخضر بتاريخ 2/12/2010
http://www.azzahfalakhder.com/ar/content/view/15281/28/
السبت، 4 ديسمبر 2010
الاثنين، 29 نوفمبر 2010
المشهد العظيم
القمة الإفريقية الأوروبية .. المشهد العظيم
لو جاءني في ستينيات / أو حتى سبعينيات / القرن العشرين ، من يقول أن قمة أوروبية وإفريقية تجتمع في طرابلس .. لتناقش تفعيل استراتيجية للتعاون المشترك فيما بينــهما .. لاتهمته بالجنون !! .. فكيف يلتقي المستعمرون وضحايا الاستعمار ؟ و أي تعاون مشترك يجمع بين الذئاب والحملان ؟!
لكن الزمان قد دار نصف دورة ليجعل اللقاء ممكنا .. بل وضرورة لا غنى عنها لأوروبا ولإفريقيا على حد سواء .. وهو اليوم حقيقة واقعة ، في حياة الشعب الليبي ، يفرح لها ، ويسعد بإستضافتها ويبذل كل ما يملك من جهد لإنجاحه ، ويرحب بإعادة تشكيل حياته في مدينة طرابلس الجميلة خلال فترة القمة على ضوء متطلباتها . ويتطلع الليبيون جميعا مع غيرهم من الأفارقة إلى أن تكون نتيجة القمة تجسيد ا لوعي أطرافها بحقائق عالمها ومتطلبات أمنهم وتقدمهم . قبل انعقاد القمة الأوروبية الإفريقية .. تاريخ طويل للعلاقة بين أوروبا وإفريقيا .. يمتد لأكثر من نصف قرن .. لا يمكن عرض مشاهده بالسرعة البطيئة .. لأنها مؤلمة ..ولا نريد في أيام الانتصارات الكبيرة أن نجتر الآلام .. ولأن ضيوف القمة من الشخصيات الأوروبية لا يتحملون بذاتهم المسؤولية عما تحملته إفريقيا من عذابات ..وإن كانوا لا يستطيعون التنصل من المسؤولية التاريخية لبلدانهم عنها .. وعلى كل حال فقد مر تاريخ العلاقة بين إفريقيا وأوروبا بمرحلتين :،
ـ مرحلة إحتلال أوروبا المباشر لإفريقيا .. وتمتد لأكثر من 500عام من أواخر القرن الخامس عشر حتى أواسط القرن العشرين ..في خلالها استنزفت القارة السمراء بعنف وشراسة ، عن طريق مقايضة ظالمة للذهب واليد العاملة ومنتجات المواد الأولية .. برواكد الصناعة الأوروبية ونفايات مصانعها . ـ مرحلة التبعية المباشرة .. وفيها استمرت السيطرة الأوربية على إفريقيا رغم حصولها على الاستقلال السياسي ، واستمر نزيف الموارد عبر اتفاقات ثنائية تكرس التبعية الإقتصادية ، وآليات للتجارة الدولية تعمل فى غير صالح الدول النامية , وقروض تمول تنمية عقيمة ، لا تلد إلا أضعاف حجمها من الفوائد . .!! وفى هذه المرحلة وصلت ديون المستعمرات الإفريقية السابقة الى 380 مليار دولار ، واحتلت 29 دولة إفريقية مكانا دائما فى قوائم الدول الأشد فقراً في العالم وإن أكبر الحقائق خلف هذا المشهد العظيم للقمة الأوربية الإفريقية اليوم التي تنعقد في طرابلس .. هو أن واقع إفريقيا اليوم بفقرها وأمراضها وديونها وتخلفها وتمزقها وصراعاتها هو ناتج فعل أوروبا بالأمس .. لكن عالم اليوم ليس عالم الأمس ، وأوروبا اليوم ليست أوروبا الأمس
وإفريقيا اليوم ليست إفريقيا الأمس :
ـ عالم اليوم ليس عالم الأمس.. فيه يرتبط مصير البشرية بعضها ببعض بصورة لم يسبق لها مثيل .. كل دولة فيه مجرد " وصلة " في كوخ الكتروني معقد التركيب .. و كل جزء فيه يؤثر في الآخر ويتأثر به . وكل قضاياه.. من الأمن والسلام والبيئة والإرهاب والأمراض والفساد ..كلها ذات طابع عالمي . ولعل هذا الإحساس بوحدة المصير هو الذي دفع قادة العالم في الجمعية العامة إلى تبنى أهدافا إنمائية للألفية .. تتصدى للفقر والجهل والتمييز بين الرجال والنساء والأمراض ومخاطر البيئة وتطالب بقيام شراكة عالمية من اجل مستقبل أفضل
ـ وأوربا اليوم ليست أوروبا الأمس .. فقد تراجعت قوتها بعد انتحارها المجنون في الحربين العالميتين ..وكابدت ضغوط التبعية للقطبين في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وتتحول الآن إلى اتحاد يحاول أن يحجز لها مكانا بين أقطاب الغد، وسط منافسة ضارية مع قوى جديدة صاعدة في الصين واليابان والهند على الأسواق والموارد والطاقة . ـ وإفريقيا اليوم / أيضا / ليست إفريقيا الأمس .. إفريقيا اليوم هي الحدود الجديدة لعالم الاستثمارات ، هي الموارد والثروات الهائلة .هي مستقبل الطاقة والغذاء في العالم في القرن الواحد والعشرين .. هي الكيان الموحد الذي يستظهر كنوزها ويسخرها لتحقيق حرية وكرامة الإفريقيين وفى أن تلعب دورا تستحقه فى تقرير مصير العالم .
هكذا تهيأت الظروف العالمية والأوروبية والإفريقية لأن يتحول مستعمروا لأمس إلى شركاء اليوم ..وهكذا أصبح للشراكة الأوربية الإفريقية تاريخها الخاص
القمة التي تنعقد الآن في طرابلس .. هي النسخة الثالثة من للقمة الأوروبية الإفريقية .. جاءت نسختها الأولى بمبادرة الرئيس الجزائري، واستضافتها مصر لأسباب أمنية في عام 2000 ، وتأخرت نسختها الثانية حتى عقدت عام 2007 في لشبونة في البرتغال .. وفى الواقع فإن القمتين السابقتين يمثلان المقدمات الضرورية لقمة طرابلس ومع أنني لا أعرف بالتحديد مالذي يجعل للرقم " ثلاثة " فى حياتنا معنى الحركة والإنطلاق .. لكنني أظن أن أي حركة هادفة لابد أن تسبق بحركتين الحركة الأولى" للتهيئة " , والحركة الثانية " للاستعداد "
والحركة الثالثة " للانطلاق ".. وهذا في الواقع ماجرى في القمتين السابقتين .
o في القاهرة .. كانت التهيئة .. فيها أعلن المشاركون من الأوربيين والأفارقة عن الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات بينهما إلى مستوى يتواكب مع ظروف ومعطيات القرن الواحد والعشرين ..والعمل على الارتقاء بها إلى شراكة استراتيجية ..تقوم على أساس روح المساواة ، والاحترام ، والتحالف ، والتعاون ..وأعلنوا التزامهم بتهيئة بيئة فعالة لتعزيز الحوار بينهما . في القاهرة أيضا تم تحديد مجالات العمل المشترك بصورة عامة في التعاون والتكامل الإقليمي ، وإندماج إفريقيا في الاقتصاد العالمي ، وتعزيز التجارة وتشجيع الاستثمار المباشر وتشجيع القطاع الخاص ، وإنتظام المساعدات الإنمائية والتخفيف من عبء الديون من خلق بيئة مواتية للتنمية المستدامة ، وكذلك حقوق الإنسان ، ومكافحة التمييز ضد المرأة ، وتسوية النزاعات ، وقضايا الإرهاب ، ومقاومة إنتشار أسلحة الدمار الشامل .
وسوف يلاحظ أن برنامج الشراكة في نسخته الأولى لم يتجاوز إعلان النوايا ، ولم يتضمن برنامجا محددا للعمل المشترك .. فضلا عن أن الإعلان برمته يميل لصالح أوروبا ، ويهتم بصورة خاصة بتهيئة إفريقيا للإندماج في النظام الرأسمالي العالمي ، وتمجيد القطاع الخاص ، وآليا ت السوق .. وهو برنامج يعتمد سياسة المصرف الدولي ومنظمة الجات ، ولا يعبأ بخصوصيات الدول الإفريقية .. ومع ذلك فإنها البداية التى قدمت دروسها لمستقبل الأيام .
فى لشبونة .. بلغت مسيرة القمة محطتها الثانية . .فبها استكملت إمكانات الاستعداد للإنطلاق .. وبها ينضج مفهوم الشراكة بالتأكيد على أن "أوروبا بحاجة الى إفريقيا بقدر حاجة إفريقيا الى أوروبا " وأن " جميع أطراف الشراكة أنــداد متساوون " , و إن العلاقة بين الأنداد في الفضاءين تنتــــقل من إنتظــــار المنح والقروض إلى " المواجهة المشتركة للتحديات , والاستثمار المشترك للفرص المتاحة " ، وأن "احترام الهويات الوطنية والأولويات الوطنية " من أهم الأسس التي تقوم عليها الشراكة الاستراتيجية المحقة .
جاءت موضوعات القمة الثانية أكثر تحديداً ..فركزت على قضايا السلم والأمن ، والديمقراطية وحقوق الإنسان ، والتجارة والتنمية ، والبيئة , والطاقة ، والهجرة ، والتشغيل ، الأهم من هذا كله أنها تضمنت خطة وبرنامجا للعمل المشترك يتضمن 75 مشروعا ، عرفت باسم خطة عمل 2008 - 2010
وسوف نلاحظ أن الخطة لم تنفذ ، وأن حجم المعونات المقدمة للقارة في عام 2009 قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها في السنوات العشر الأخيرة ، و أن جميع المشروعات لم تجد دعما أو تمويلا لها . وكان من الممكن أن يمر دون عتاب بين الشركاء لولا أن الأعذار التي قدمت لعدم تنفيذ المشروعات .. لم تجسد قيم الشراكة الحقة .. حيث تعلل الطرف الأوروبي بتداعيات الأزمة المالية العالمية , وبأنهم شغلوا بضم أعضاء جدد للاتحاد الأوروبي ..!!
ورغم السلبيات التي علقت بمسيرة الشراكــــــــــة بين القارتين والفضاءين إلا أن هناك من الأسباب والدوافع ما يجعل القمة الثالثة التي تنعقد اليوم في طرابلس .. تشكل دفعة قوية للتعاون بين الاتحادين الإفريقي ,والأوروبي , وتمثل نقلة نوعية في اتجاه تعزيز العمل المشترك فيما بينهما :ـ
اولا: تكفلت تجربة القمتين السابقتين بتقديم كل دروسها المستفادة حول شراكة دقيقة وحساسة من هذا النوع ..بحيث يمكن القول أن مبادئ الشراكة وقيمها وغاياتها وبرامجها .. كلها أصبحت واضحة لطرفيها تمام الوضوح .
ثانيا :أحساس أوروبي متزايد بأن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية تبتعد حثيثا عن أوروبا في ظروف لم تنقشع فيها بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية ، وبأن نفوذها التقليدي في إفريقيا يتآكل بصورة حثيثة نتيجة للحركة النشطة للصين والهند واليابان في الأسواق الإفريقية. والهواجس الأمنية المتزايدة التي تعتبر إفريقيا مصدرا لها.
ثالثا : إحساس إفريقي متزايد بأهمية الاستثمارات الأوروبية في ظروف انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على إفريقيا بنسبة 20 % في عام 2009 ، وتراجع عديد الدول عن تمويل الأهداف الإنمائية للألفية المقرر إنجازها قبل عام 2015 .
رابعا: حسن التنظيم والإستعداد للقمة ..ويذكر هنا أن المؤتمر ينعقد مجموعة ضخمة من المؤتمرات والاجتماعات والمشاورات التي تمهد .. وأذكر هنا القمة الخاطفة بين اوباما وقادة الاتحاد الأوروبي ، واجتماعات وزراء الخارجية ، وقادة الأعمال ، ورؤساء البرلمانات الأوروبية والإفريقية . ومؤتمر الشباب الإفريقي الأوروبي الثاني ، ومؤتمر المعلومات ، ومؤتمر التعليم الأكاديمي في جنوب إفريقيا ، وإطلاق منح نيريرى الدراسية بالمناسبة ...وكلها تهيئ للقمة الثالثة فرص النجاح
الموضوع الأساسي للقمة الثالثة .. هو" الاستثمار و النمو الاقتصادي وفرص العمل " .. ويتصدر ثماني قضايا أخرى ترتبط وتتقاطع معه ، لتجمع كل هموم الشراكة الاستراتيجية ..إنها قضايا السلم والأمن ـ والحوكمة والديمقراطية وحقوق الإنسان ـ والتجارة والتكامل الإقليمى ـ والهجرة والتنقل والعمل ـ والأهداف الإنمائية للألفية ـ و تغير المناخ ـ والطاقة ـ والبحث العلمي والفضاء والعلوم والتقانة .
يصدر المؤتمر في نهاية مناقشاته وثيقتين عالميتين الأولـــــى.. " إعلان طرابلس " ويحدد المبادئ التي تحكم الشراكة الاستراتيجية ، والقيم الموجهة لها ، والأهداف المشتركة التي تسعى إلى تحقيقها . و الثانية " برنامج العمل 2011 / 2013 " .. وتتضمن عرضا لخطة الشراكة فى المجالات التسعة السابقة .
ولأنني من المتفائلين بمستقبل الشراكة الأوربية الإفريقية .. فإنني أتوقع أن تكون وثائقه تجسيدا لإرادة القارتين في إنجاز نموذج يحتذى لعمل مشترك بين ثقافات مختلفة وأنظمة اجتماعية متباينة . توقع أن يؤكد "إعلان طرابلس " على أن الشراكة الحقة تقوم بين متساوين ، وعلى مصالح مشتركة بين طرفيها ، وعلى احترام الهويات والأولويات الوطنية ، وعلى دعم الجهود التنموية للطرف الأقل نموا ، وعلى حرية أطرافها في اختيار نظامهم السياسي والاجتماعى ، وعلى عدم المساس بثقافتهم وأديانهم . توقع كذلك أن يؤكد " برنامج عمل 2011 / 2013 " على المبادئ والأفكار التالية :ـ
معالجة قضايا السلم والأمن فى إطار التنمية الشاملة ، ودعم قيام منظومة إفريقية لمنع النزاعات ، ومواجهتها ، وإزالة آثارها. الإعتراف بالخصوصيات الإفريقية فى مجال الديمقراطية وبتنوع طرق المشاركة الشعبية فى إدارة حياتها التركيز على البعد التنموي للهجرة ، واعتماد الشراكة كحل تاريخي للبطالة ، وتسهيل الحركة القانونية للأفراد في مواجهة الهجرة غير الشرعية .
التركيز على الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالغذاء والصحة والتعليم ، وتأمين الموارد اللازمة لتحقيقها .
- إدماج الموضوعات المتعلقة بالمناخ ضمن الاسترتيجية التنموية ، وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك بالتصادق مع البيئة .
- تيسير وصول الطاقة للمواطنين الأفارقة ، ودعم مشروعات الطاقة المتجددة .
- العمل على ردم الفجوة التقانية والرقمية ، وتطوير مجتمع المعلومات , والتعاون في مجال تطبيقات الفضاء .
- دعم محاولات التكامل الإفريقي ، وتشجيع تطوير البنى التحتية فيها ، وتسهيل إجراءات التجارة ، وتعزيز معاييرالجودة وأساليب الرقابة عليها . ويبقى في النهاية أن نؤكد أن الإعلانات والبرامج لا تبنى وحدها شراكات استراتيجية ثابتة ومستقرة ومستمرة .. مالم تتعزز بالإرادة .. إن النجاح في تحقيق هذه الشراكة ينسب بالتأكيد لإفريقيا ولأوروبا .. أما الفشل فإن أوروبا وحدها تتحمل مسؤوليته .وليس في هذا تحاملا على الأوربيين .. ولكنها الحقائق الموضوعية التي تحكم هذه العلاقة.. وعلى أوروبا أن تتعلم كيف تتذكر هذه الحقائق :
على أوروبا أن تتذكر أن واقع إفريقيا اليوم بفقرها وأمراضها وديونها وتخلفها وتمزقها وصراعاتها هو ناتج فعل أوروبا بالأمس ..وأن الأفارقة لفترات طويلة كانوا الطرف الأضعف فى هذه العلاقة .. وكانوا ضحاياها .. ودفعوا مقدما جميع فواتيرها.. وليس لديهم ما يقدمونه لهذه العلاقة إلا النوايا الحسنة والصدق مع النفس ومع الغير.
عليها أن تتذكر أن الشراكات الاستراتيجية لا يجب أن تطلب استمراراً لغايات الاستعمار القديم بوسائل أخرى .. وأن هذه الشراكات لا تتعايش مع الاستمرار في تفتيت شعوب القارة وفقاً لمستعمريها السابقين / بين فرانكفونيين وأنجلوفونيين/ !!
عليها أن تتذكر أن شراكة الأنداد المتساويين تعنى تقاسم الرؤية حول المستقبل المشترك .. وأن لايسمح للفجوة بينهم الشركاء أن تتخطى حدود ماهو مقبول اجتماعياً وإنسانياً . عليها أن تتذكر أن الأفارقة ليسوا مستعدين لأن يبذلوا جلودهم أو ثقافاتهم، وأن على من يشاركهم أن يتقبل الخلاف ، وأن يقبل بالتعدد الثقافي ، والحوار بين الثقافات عليها ان تتذكر ذلك ..لأن الشرط الأول لنجاح شراكتنا .. والذى يسبق غيره من الشروط ..هو أن تتعلم أوروبا كيف تتذكر الماضي ونتعلم نحن الأفارقة كيف ننساه ..ّ! حينئذ تكون شراكة الأنداد حقا وصدقا .. وحينئذ لا تكون كل جهودنا مجرد مغامرة محفوفة بالمخاطر للرقص مع الذئاب !!
لو جاءني في ستينيات / أو حتى سبعينيات / القرن العشرين ، من يقول أن قمة أوروبية وإفريقية تجتمع في طرابلس .. لتناقش تفعيل استراتيجية للتعاون المشترك فيما بينــهما .. لاتهمته بالجنون !! .. فكيف يلتقي المستعمرون وضحايا الاستعمار ؟ و أي تعاون مشترك يجمع بين الذئاب والحملان ؟!
لكن الزمان قد دار نصف دورة ليجعل اللقاء ممكنا .. بل وضرورة لا غنى عنها لأوروبا ولإفريقيا على حد سواء .. وهو اليوم حقيقة واقعة ، في حياة الشعب الليبي ، يفرح لها ، ويسعد بإستضافتها ويبذل كل ما يملك من جهد لإنجاحه ، ويرحب بإعادة تشكيل حياته في مدينة طرابلس الجميلة خلال فترة القمة على ضوء متطلباتها . ويتطلع الليبيون جميعا مع غيرهم من الأفارقة إلى أن تكون نتيجة القمة تجسيد ا لوعي أطرافها بحقائق عالمها ومتطلبات أمنهم وتقدمهم . قبل انعقاد القمة الأوروبية الإفريقية .. تاريخ طويل للعلاقة بين أوروبا وإفريقيا .. يمتد لأكثر من نصف قرن .. لا يمكن عرض مشاهده بالسرعة البطيئة .. لأنها مؤلمة ..ولا نريد في أيام الانتصارات الكبيرة أن نجتر الآلام .. ولأن ضيوف القمة من الشخصيات الأوروبية لا يتحملون بذاتهم المسؤولية عما تحملته إفريقيا من عذابات ..وإن كانوا لا يستطيعون التنصل من المسؤولية التاريخية لبلدانهم عنها .. وعلى كل حال فقد مر تاريخ العلاقة بين إفريقيا وأوروبا بمرحلتين :،
ـ مرحلة إحتلال أوروبا المباشر لإفريقيا .. وتمتد لأكثر من 500عام من أواخر القرن الخامس عشر حتى أواسط القرن العشرين ..في خلالها استنزفت القارة السمراء بعنف وشراسة ، عن طريق مقايضة ظالمة للذهب واليد العاملة ومنتجات المواد الأولية .. برواكد الصناعة الأوروبية ونفايات مصانعها . ـ مرحلة التبعية المباشرة .. وفيها استمرت السيطرة الأوربية على إفريقيا رغم حصولها على الاستقلال السياسي ، واستمر نزيف الموارد عبر اتفاقات ثنائية تكرس التبعية الإقتصادية ، وآليات للتجارة الدولية تعمل فى غير صالح الدول النامية , وقروض تمول تنمية عقيمة ، لا تلد إلا أضعاف حجمها من الفوائد . .!! وفى هذه المرحلة وصلت ديون المستعمرات الإفريقية السابقة الى 380 مليار دولار ، واحتلت 29 دولة إفريقية مكانا دائما فى قوائم الدول الأشد فقراً في العالم وإن أكبر الحقائق خلف هذا المشهد العظيم للقمة الأوربية الإفريقية اليوم التي تنعقد في طرابلس .. هو أن واقع إفريقيا اليوم بفقرها وأمراضها وديونها وتخلفها وتمزقها وصراعاتها هو ناتج فعل أوروبا بالأمس .. لكن عالم اليوم ليس عالم الأمس ، وأوروبا اليوم ليست أوروبا الأمس
وإفريقيا اليوم ليست إفريقيا الأمس :
ـ عالم اليوم ليس عالم الأمس.. فيه يرتبط مصير البشرية بعضها ببعض بصورة لم يسبق لها مثيل .. كل دولة فيه مجرد " وصلة " في كوخ الكتروني معقد التركيب .. و كل جزء فيه يؤثر في الآخر ويتأثر به . وكل قضاياه.. من الأمن والسلام والبيئة والإرهاب والأمراض والفساد ..كلها ذات طابع عالمي . ولعل هذا الإحساس بوحدة المصير هو الذي دفع قادة العالم في الجمعية العامة إلى تبنى أهدافا إنمائية للألفية .. تتصدى للفقر والجهل والتمييز بين الرجال والنساء والأمراض ومخاطر البيئة وتطالب بقيام شراكة عالمية من اجل مستقبل أفضل
ـ وأوربا اليوم ليست أوروبا الأمس .. فقد تراجعت قوتها بعد انتحارها المجنون في الحربين العالميتين ..وكابدت ضغوط التبعية للقطبين في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وتتحول الآن إلى اتحاد يحاول أن يحجز لها مكانا بين أقطاب الغد، وسط منافسة ضارية مع قوى جديدة صاعدة في الصين واليابان والهند على الأسواق والموارد والطاقة . ـ وإفريقيا اليوم / أيضا / ليست إفريقيا الأمس .. إفريقيا اليوم هي الحدود الجديدة لعالم الاستثمارات ، هي الموارد والثروات الهائلة .هي مستقبل الطاقة والغذاء في العالم في القرن الواحد والعشرين .. هي الكيان الموحد الذي يستظهر كنوزها ويسخرها لتحقيق حرية وكرامة الإفريقيين وفى أن تلعب دورا تستحقه فى تقرير مصير العالم .
هكذا تهيأت الظروف العالمية والأوروبية والإفريقية لأن يتحول مستعمروا لأمس إلى شركاء اليوم ..وهكذا أصبح للشراكة الأوربية الإفريقية تاريخها الخاص
القمة التي تنعقد الآن في طرابلس .. هي النسخة الثالثة من للقمة الأوروبية الإفريقية .. جاءت نسختها الأولى بمبادرة الرئيس الجزائري، واستضافتها مصر لأسباب أمنية في عام 2000 ، وتأخرت نسختها الثانية حتى عقدت عام 2007 في لشبونة في البرتغال .. وفى الواقع فإن القمتين السابقتين يمثلان المقدمات الضرورية لقمة طرابلس ومع أنني لا أعرف بالتحديد مالذي يجعل للرقم " ثلاثة " فى حياتنا معنى الحركة والإنطلاق .. لكنني أظن أن أي حركة هادفة لابد أن تسبق بحركتين الحركة الأولى" للتهيئة " , والحركة الثانية " للاستعداد "
والحركة الثالثة " للانطلاق ".. وهذا في الواقع ماجرى في القمتين السابقتين .
o في القاهرة .. كانت التهيئة .. فيها أعلن المشاركون من الأوربيين والأفارقة عن الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات بينهما إلى مستوى يتواكب مع ظروف ومعطيات القرن الواحد والعشرين ..والعمل على الارتقاء بها إلى شراكة استراتيجية ..تقوم على أساس روح المساواة ، والاحترام ، والتحالف ، والتعاون ..وأعلنوا التزامهم بتهيئة بيئة فعالة لتعزيز الحوار بينهما . في القاهرة أيضا تم تحديد مجالات العمل المشترك بصورة عامة في التعاون والتكامل الإقليمي ، وإندماج إفريقيا في الاقتصاد العالمي ، وتعزيز التجارة وتشجيع الاستثمار المباشر وتشجيع القطاع الخاص ، وإنتظام المساعدات الإنمائية والتخفيف من عبء الديون من خلق بيئة مواتية للتنمية المستدامة ، وكذلك حقوق الإنسان ، ومكافحة التمييز ضد المرأة ، وتسوية النزاعات ، وقضايا الإرهاب ، ومقاومة إنتشار أسلحة الدمار الشامل .
وسوف يلاحظ أن برنامج الشراكة في نسخته الأولى لم يتجاوز إعلان النوايا ، ولم يتضمن برنامجا محددا للعمل المشترك .. فضلا عن أن الإعلان برمته يميل لصالح أوروبا ، ويهتم بصورة خاصة بتهيئة إفريقيا للإندماج في النظام الرأسمالي العالمي ، وتمجيد القطاع الخاص ، وآليا ت السوق .. وهو برنامج يعتمد سياسة المصرف الدولي ومنظمة الجات ، ولا يعبأ بخصوصيات الدول الإفريقية .. ومع ذلك فإنها البداية التى قدمت دروسها لمستقبل الأيام .
فى لشبونة .. بلغت مسيرة القمة محطتها الثانية . .فبها استكملت إمكانات الاستعداد للإنطلاق .. وبها ينضج مفهوم الشراكة بالتأكيد على أن "أوروبا بحاجة الى إفريقيا بقدر حاجة إفريقيا الى أوروبا " وأن " جميع أطراف الشراكة أنــداد متساوون " , و إن العلاقة بين الأنداد في الفضاءين تنتــــقل من إنتظــــار المنح والقروض إلى " المواجهة المشتركة للتحديات , والاستثمار المشترك للفرص المتاحة " ، وأن "احترام الهويات الوطنية والأولويات الوطنية " من أهم الأسس التي تقوم عليها الشراكة الاستراتيجية المحقة .
جاءت موضوعات القمة الثانية أكثر تحديداً ..فركزت على قضايا السلم والأمن ، والديمقراطية وحقوق الإنسان ، والتجارة والتنمية ، والبيئة , والطاقة ، والهجرة ، والتشغيل ، الأهم من هذا كله أنها تضمنت خطة وبرنامجا للعمل المشترك يتضمن 75 مشروعا ، عرفت باسم خطة عمل 2008 - 2010
وسوف نلاحظ أن الخطة لم تنفذ ، وأن حجم المعونات المقدمة للقارة في عام 2009 قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها في السنوات العشر الأخيرة ، و أن جميع المشروعات لم تجد دعما أو تمويلا لها . وكان من الممكن أن يمر دون عتاب بين الشركاء لولا أن الأعذار التي قدمت لعدم تنفيذ المشروعات .. لم تجسد قيم الشراكة الحقة .. حيث تعلل الطرف الأوروبي بتداعيات الأزمة المالية العالمية , وبأنهم شغلوا بضم أعضاء جدد للاتحاد الأوروبي ..!!
ورغم السلبيات التي علقت بمسيرة الشراكــــــــــة بين القارتين والفضاءين إلا أن هناك من الأسباب والدوافع ما يجعل القمة الثالثة التي تنعقد اليوم في طرابلس .. تشكل دفعة قوية للتعاون بين الاتحادين الإفريقي ,والأوروبي , وتمثل نقلة نوعية في اتجاه تعزيز العمل المشترك فيما بينهما :ـ
اولا: تكفلت تجربة القمتين السابقتين بتقديم كل دروسها المستفادة حول شراكة دقيقة وحساسة من هذا النوع ..بحيث يمكن القول أن مبادئ الشراكة وقيمها وغاياتها وبرامجها .. كلها أصبحت واضحة لطرفيها تمام الوضوح .
ثانيا :أحساس أوروبي متزايد بأن أولويات الولايات المتحدة الأمريكية تبتعد حثيثا عن أوروبا في ظروف لم تنقشع فيها بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية ، وبأن نفوذها التقليدي في إفريقيا يتآكل بصورة حثيثة نتيجة للحركة النشطة للصين والهند واليابان في الأسواق الإفريقية. والهواجس الأمنية المتزايدة التي تعتبر إفريقيا مصدرا لها.
ثالثا : إحساس إفريقي متزايد بأهمية الاستثمارات الأوروبية في ظروف انخفاض تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على إفريقيا بنسبة 20 % في عام 2009 ، وتراجع عديد الدول عن تمويل الأهداف الإنمائية للألفية المقرر إنجازها قبل عام 2015 .
رابعا: حسن التنظيم والإستعداد للقمة ..ويذكر هنا أن المؤتمر ينعقد مجموعة ضخمة من المؤتمرات والاجتماعات والمشاورات التي تمهد .. وأذكر هنا القمة الخاطفة بين اوباما وقادة الاتحاد الأوروبي ، واجتماعات وزراء الخارجية ، وقادة الأعمال ، ورؤساء البرلمانات الأوروبية والإفريقية . ومؤتمر الشباب الإفريقي الأوروبي الثاني ، ومؤتمر المعلومات ، ومؤتمر التعليم الأكاديمي في جنوب إفريقيا ، وإطلاق منح نيريرى الدراسية بالمناسبة ...وكلها تهيئ للقمة الثالثة فرص النجاح
الموضوع الأساسي للقمة الثالثة .. هو" الاستثمار و النمو الاقتصادي وفرص العمل " .. ويتصدر ثماني قضايا أخرى ترتبط وتتقاطع معه ، لتجمع كل هموم الشراكة الاستراتيجية ..إنها قضايا السلم والأمن ـ والحوكمة والديمقراطية وحقوق الإنسان ـ والتجارة والتكامل الإقليمى ـ والهجرة والتنقل والعمل ـ والأهداف الإنمائية للألفية ـ و تغير المناخ ـ والطاقة ـ والبحث العلمي والفضاء والعلوم والتقانة .
يصدر المؤتمر في نهاية مناقشاته وثيقتين عالميتين الأولـــــى.. " إعلان طرابلس " ويحدد المبادئ التي تحكم الشراكة الاستراتيجية ، والقيم الموجهة لها ، والأهداف المشتركة التي تسعى إلى تحقيقها . و الثانية " برنامج العمل 2011 / 2013 " .. وتتضمن عرضا لخطة الشراكة فى المجالات التسعة السابقة .
ولأنني من المتفائلين بمستقبل الشراكة الأوربية الإفريقية .. فإنني أتوقع أن تكون وثائقه تجسيدا لإرادة القارتين في إنجاز نموذج يحتذى لعمل مشترك بين ثقافات مختلفة وأنظمة اجتماعية متباينة . توقع أن يؤكد "إعلان طرابلس " على أن الشراكة الحقة تقوم بين متساوين ، وعلى مصالح مشتركة بين طرفيها ، وعلى احترام الهويات والأولويات الوطنية ، وعلى دعم الجهود التنموية للطرف الأقل نموا ، وعلى حرية أطرافها في اختيار نظامهم السياسي والاجتماعى ، وعلى عدم المساس بثقافتهم وأديانهم . توقع كذلك أن يؤكد " برنامج عمل 2011 / 2013 " على المبادئ والأفكار التالية :ـ
معالجة قضايا السلم والأمن فى إطار التنمية الشاملة ، ودعم قيام منظومة إفريقية لمنع النزاعات ، ومواجهتها ، وإزالة آثارها. الإعتراف بالخصوصيات الإفريقية فى مجال الديمقراطية وبتنوع طرق المشاركة الشعبية فى إدارة حياتها التركيز على البعد التنموي للهجرة ، واعتماد الشراكة كحل تاريخي للبطالة ، وتسهيل الحركة القانونية للأفراد في مواجهة الهجرة غير الشرعية .
التركيز على الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالغذاء والصحة والتعليم ، وتأمين الموارد اللازمة لتحقيقها .
- إدماج الموضوعات المتعلقة بالمناخ ضمن الاسترتيجية التنموية ، وتغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك بالتصادق مع البيئة .
- تيسير وصول الطاقة للمواطنين الأفارقة ، ودعم مشروعات الطاقة المتجددة .
- العمل على ردم الفجوة التقانية والرقمية ، وتطوير مجتمع المعلومات , والتعاون في مجال تطبيقات الفضاء .
- دعم محاولات التكامل الإفريقي ، وتشجيع تطوير البنى التحتية فيها ، وتسهيل إجراءات التجارة ، وتعزيز معاييرالجودة وأساليب الرقابة عليها . ويبقى في النهاية أن نؤكد أن الإعلانات والبرامج لا تبنى وحدها شراكات استراتيجية ثابتة ومستقرة ومستمرة .. مالم تتعزز بالإرادة .. إن النجاح في تحقيق هذه الشراكة ينسب بالتأكيد لإفريقيا ولأوروبا .. أما الفشل فإن أوروبا وحدها تتحمل مسؤوليته .وليس في هذا تحاملا على الأوربيين .. ولكنها الحقائق الموضوعية التي تحكم هذه العلاقة.. وعلى أوروبا أن تتعلم كيف تتذكر هذه الحقائق :
على أوروبا أن تتذكر أن واقع إفريقيا اليوم بفقرها وأمراضها وديونها وتخلفها وتمزقها وصراعاتها هو ناتج فعل أوروبا بالأمس ..وأن الأفارقة لفترات طويلة كانوا الطرف الأضعف فى هذه العلاقة .. وكانوا ضحاياها .. ودفعوا مقدما جميع فواتيرها.. وليس لديهم ما يقدمونه لهذه العلاقة إلا النوايا الحسنة والصدق مع النفس ومع الغير.
عليها أن تتذكر أن الشراكات الاستراتيجية لا يجب أن تطلب استمراراً لغايات الاستعمار القديم بوسائل أخرى .. وأن هذه الشراكات لا تتعايش مع الاستمرار في تفتيت شعوب القارة وفقاً لمستعمريها السابقين / بين فرانكفونيين وأنجلوفونيين/ !!
عليها أن تتذكر أن شراكة الأنداد المتساويين تعنى تقاسم الرؤية حول المستقبل المشترك .. وأن لايسمح للفجوة بينهم الشركاء أن تتخطى حدود ماهو مقبول اجتماعياً وإنسانياً . عليها أن تتذكر أن الأفارقة ليسوا مستعدين لأن يبذلوا جلودهم أو ثقافاتهم، وأن على من يشاركهم أن يتقبل الخلاف ، وأن يقبل بالتعدد الثقافي ، والحوار بين الثقافات عليها ان تتذكر ذلك ..لأن الشرط الأول لنجاح شراكتنا .. والذى يسبق غيره من الشروط ..هو أن تتعلم أوروبا كيف تتذكر الماضي ونتعلم نحن الأفارقة كيف ننساه ..ّ! حينئذ تكون شراكة الأنداد حقا وصدقا .. وحينئذ لا تكون كل جهودنا مجرد مغامرة محفوفة بالمخاطر للرقص مع الذئاب !!
الخميس، 25 نوفمبر 2010
أحلام البائسين .. فى عالم مقهور
إلى حكام العالم الذين شاركوا فى صياغة الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة ..والذين يستعدون الآن لتقييمها / بعد عشر سنوات من إعلانها / خلال
اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ينعقد قبل نهاية هذا العام ..لهذا الغرض ..إليهم جميعا هذه الرسالة وبعلم الوصول ..!!
يقال أن العام الأول من الألفية الثالثة يمثل علامة فارقة ، فى تاريخ التعاون الدولى ، بين أغنياء العالم وفقرائه .. ويقال / أيضا / أنه على عتباتها، وصل أغنياء العالم من المتخمين والمترفين ، الى شبه اقتناع بأن استمرار التطور الرأسمالى مستحيل ، فى ظلال حرمان والفقر ..التى يعيشها أربعة أخماس سكان الكوكب .. وأنهم - أى الأغنياء- قد أصبحوا على استعداد لأن يقوموا / ولوعلى سبيل الرشوة / بتحسين مستوى حياة بضع مئات من الملايين من البائسين من مختلف أنحاء الأرض .
وفى العام الأول من الألفية ، اجتمع قادة العالم فى الجمعية العمومية بنيويورك ..وأكدوا فى اجتماعهم التاريخى على أن « حق الإنسان فى الحياة ..رهن بتحرير حاجاته وتأكيد حقوقه .. وأن كرامة الإنسان لاتتحقق إلابقدر مايتحرر من الفقر المدقع والجوع ، وبقدر حظوظه من التعليم والصحة ، و فرص العمل ، وفرص المساواة ، وتأكيد حق المرأة فى الحمل والولادة دون خطر على حياتها ، وبقدر ما يتوفر من إمكانيات العيش فى بيئة نظيفة وتنمية مستدامة .. فضلا عن ضرورة قيام شراكة عالمية واسعة النطاق من أجل تحقيق كل هذه الشروط والمطالب.
على قاعدة هذه الأمانى والنوايا والأمانى الطيبة أصدر قادة العالم وثيقة عرفت باسم « الأهداف الإنمائية للألفية « تتضمن ثمانية وعود محددة . يتعهد المجتمع الدولى ممثلا فى قادته بإدراكها قبل حلول العام 2015 مسيحى .
تخفيض نسب الفقراء والجوعى فى عالمنا إلى النصف ، وتوفير فرص العمل لكل طالبيه .
تمكين جميع أطفال العالم / ذكورا وإناثا / ودون استثناء من فرص التعليم الابتدائى .
إلغاء جميع صور التمييز / تدريجيا / بين النساء والرجال فى جميع مراحل التعليم .
تمكين المرأة من حقوقها ومسؤولياتها .
تخفيض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة إلى ثلث ماكانت عليه وتخفيض معدلات وفيات الأمهات إلى ربع ماهي عليه .
وقف انتشار أمراض نقص المناعة ، والملاريا ، والسل ..وإيجاد علاج حاسم لفيروس نقص المناعة والقضاء على المرض قبل عام2015 م.
وقف الانهيار فى التنوع البيولوجى ، وتوفير مياه الشرب ، وتحسين أحوال الحياة فى الأحياء الفقيرة .
قيام شراكة عالمية ، وإلغاء التمييزالمالى والتجارى ، ومعالجة ديون الدول الفقيرة ، وتلبية حاجات الدول ألأقل تطورا ، ومراعاة أحوال الدول غير الساحلية ، والجزر .
ولقد مرّت على هذه الوعود الموثقة عشر سنوات ، ولم يتبق من الزمن المحدد لتنفيذها سوى خمس سنوات .
والآن يجتمع القادة من جديد ليقيموا مافعل العالم بوعوده .!! وليصححوا المسار بإتجاه الوفاء بها قبل الموعد المحدد ..إذا كان ذلك ممكنا ..!!
وبهذه المناسبة جهزت الأمم المتحدة ، ومنظماتها المتخصصة تقاريرها.. وأصبحت هذه التقارير بانتظار القادة..حيث تنتظرهم فيهاالحقائق المريرة التالية :ـ
اولأ : أن الأزمة الإقنصادية العالمية ، قد أدت إلى إبطاء المسيرة نحو تخفيض معدلات الفقر ، وأن تدهور سوق العمالة الناتج عنها قدأدى الى انهيار حاد فى فرص العمل المتاحة ، وقبول أعداد هائلة لأعمال بأجور متدنية ، فى ظروف مهينة ..ولهذا كله تزايد عددالعمال الذين يعيشون فى فقر مدقع ، كما تجاوز عدد الذين يعانون الجوع حدود المليار نسمة بدلا من 88 مليونا فى بداية الألفية..بالإضافة الى أن الصراعات والاضطهادات قد أخرجت أكثر من 42مليونا من ديارهم .. وأضافتهم إلى قوائم الفقراء والمشردين .
ثانيا : أنه رغم الجهود التى بذلت لتعميم التعليم الابتدائى فإن حال أفريقيا جنوب الصحراء ، ودول جنوب آسيا يشهد بزيادة عددالأطفال غير الملتحقين بالمدارس ، كذلك فإن عدم المساواة فى فرص التعليم بين الفتيات والفتيان يهدد أى تقدم باتجاه تحقيقالأهداف..حيث لايزال حق المرأة فى التعليم بعيد المنال ..ولايزال الفقرعائقا يحول دون تعليم الفتيات من كبار السن .
ثالثا: أن عددالنساء العاملات فى كل دول العالم النامى أقل من عدد الرجال ، وغالبا ما تكون وظائفهم مؤقتة وغير مضمونة ، مع زيادة ملحوظة في من يشغلن مناصب سياسية ..وهى زيادة لاتتعلق بجهود الأغنياء بقدر ما تتعلق بوعى الشعوب .
رابعا :وإذا كان مؤشر وفيات الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة قدإنخفض بنسبة طفيفة إلا انها ليست كافية لبلوغ الهدف .. فى الوقت الذى بقيت النسبة على حالها فى أشد المناطق فقرا .
خامسا : تؤكد التقارير أن معظم نساء العالم يلدن دون توفر الرعاية الصحية ..كما يؤدي الفقر وانخفاض التحصيل العلمى إلى ارتفاع معدلات الولادة بين المراهقات ..وصعوبات تمويل برامج تنظيم الأسرة .
سادسا : ارتفع عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة من سبعة ملايين إلى مايزيد على خمسة وثلاثين مليونا ..وهى نسبة تفوق نسبة زيادة إمكانيات العلاج ، فى وقت تفتقر فيه الأجيال الشابة إلى حماية نفسها من مخاطره .. بحيث يمكن القول إنالعالم قد تعايش مع المرض دون أن يواجهه.
سابعا :الفشل الذريع فى المحافظة على التنوع البيولجى ، وفى مواجهة مخاطر التصحر ، والتغيرات المناخية ، وزيادة الأنواع المهددة بالانقراض .. فضلا عن نقض إمدادات المياه ، والصرف الصحى ، وتردى حالة الأحياء الفقيرة ... وكلها تحديات خطيرة لمستوى الحياة على سطح الكوكب.
ثامنا : وأخيرا فإن حجم المعونات الدولية الموجهة ..أقل كثيرا مما كان مقدر« 7% «..مع الانهيارالكامل للمعونات الموجهة إلى قارةأفريقيا من خمسة وعشرين مليارا إلى إحدى عشر مليارا فقط !!
هكذا فإن وعود المجتمع الدولى للفقراء سقطت جميعا فى شراك الأزمة الإقتصادية للنظام الرأسمالى .. وبقي ثلاثة أرباع سكان على حالهم من الفقر والفاقة ، يحلمون بعالم جديد أكثر عدلا واستقرارا وأمنا .
وبعيدا عن تقارير الأمم المتحدة تتبدى لنا الأسباب الحقيقية لهذا
الفشل الذريع ..معروفة ومكشوفة وواضحة وضوح الشمس..
يتجاهلونها خوفا وحرجا من مسؤوليات مواجهتها .. ونجدها فى مجموعة من الحقائق الكاشفة
أول هذه الحقائق ..أن وعود الألفية لايمكن أن تتحقق فى إطار النظام السياسى العالمى السائد ..لأنه نظام يقوم على التفاوت ،وعلى تكريس سلطة العالم فى قبضة طرف واحد من اطرافه ..وأنه يقوم على تقسيم وظيفى مؤداه « أن تحلم الجمعية العامة بماتشاء ، أن يحكم أصحاب الفيتو بمجلس الأمن بما يريدون «..
.ثانى هذه الحقائق .. أن جميع المعوقات التى حالت وتحول دون تنفيذ أحلام مليارت من البشر ..هى سمات للنظام الراسمالىالعالمى..فهو الذى يعمق الاتقسام بين أغنياء العالم وفقرائه ..والأزمات المالية الدورية جزء لايتجزامن تكوينه ..والمتاجرة بصحةالبشر ، واستنزاف البيئة ، والقضاء على التنوع الحيوى ..كلها بسبب الشراهة فى طلب الأرباح تحقيقا لحدها الأقصى !
ثالث هذه الحقائق ..أن ازدواجية المعايير التى تحكم العلاقة بين أطراف النظام الدولى الراهن ..والتى تقوم على توازن المصالحفيما بين الأغنياء ، وعلى توازن القوة فيما بين الأغنياء والفقراء ..مثل هذه الإزدواحية لايمكن أن تسمح بنمط محايد للتنمية ، أوبتبادل أو بتعاون دولى على طريقها .
إن النظام السياسى العالمى السائد ، والمنظومة الرأسمالية السائدة .. تتضافران معا ، فى بناء ثنائية تزداد رسوخا - يوما بعد يوم-.. ثنائية يسمح فيها النظام السياسي العالمي لفقراء العالم / فى « منتدى الأمم المحتدة « / أن يسربوا أحلامهم كما يحلو لهم !! ويسمح لأغنيائه / فى ذات المنتدى / أن يواجهوا الأحلآم بقدر الوعود .. بعد ذلك تتجه المنظومة الرأسمالية السائدة بتحطيم هذهالأحلام تحطيما ..وتحويلها الى كوابيس ثقيلة ومرهقة !!
وبعد .. فإن البائسين فى هذا العالم المقهور لايستطيعون الاكتفاء بتعاطى الأحلام والأوهام الى الأبد..و أن وعيهم بما يحيط بهموبمطالبهم يزداد وضوحا ...إن أحلامهم المشروعة لا تتحقق إلا فى ظل نظام سياسى عالمى جديد..يتأسس على العدالة والتكافؤبين الشعوب ..ولامكان فيه للتمييز أو التفاوت أو التهميش ..ويؤسس لشراكة عالمية خصبة بين الثقافات والحضارات.
ويبقى لقادة وحكام الدول النامية ..الذين يشاركون فى « منتدى الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأهداف الإنمائية للألفية«..إما أن يواجهوا حقيقة المأزق الذى وضعوا فيه ..أو أن يستسلموا إلى جرعة أخرى من خدر الأحلام والأوهام .
محمد رضا طلبة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)