الخميس، 25 نوفمبر 2010

أحلام البائسين .. فى عالم مقهور


إلى حكام العالم الذين شاركوا فى صياغة الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة ..والذين يستعدون الآن لتقييمها / بعد عشر سنوات من إعلانها / خلال
 اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ينعقد قبل نهاية هذا العام ..لهذا  الغرض ..إليهم جميعا هذه الرسالة وبعلم الوصول ..!!
   يقال أن العام الأول من الألفية الثالثة يمثل علامة فارقة  ، فى تاريخ التعاون الدولى ، بين أغنياء العالم وفقرائه  .. ويقال / أيضا / أنه على عتباتها، وصل أغنياء  العالم من المتخمين والمترفين ، الى شبه اقتناع بأن استمرار التطور  الرأسمالى مستحيل ، فى ظلال حرمان والفقر ..التى يعيشها أربعة أخماس سكان الكوكب .. وأنهم  أى الأغنياء-  قد أصبحوا على استعداد لأن يقوموا / ولوعلى سبيل الرشوة / بتحسين مستوى حياة بضع مئات من الملايين من البائسين من مختلف أنحاء الأرض  .
   وفى العام الأول من الألفية ، اجتمع قادة العالم فى الجمعية العمومية  بنيويورك ..وأكدوا فى اجتماعهم التاريخى على أن «     حق الإنسان فى الحياة ..رهن بتحرير حاجاته وتأكيد حقوقه .. وأن كرامة  الإنسان لاتتحقق إلابقدر مايتحرر من الفقر المدقع والجوع ، وبقدر حظوظه من التعليم والصحة ، و فرص العمل ، وفرص المساواة ، وتأكيد حق المرأة فى الحمل والولادة دون خطر على حياتها ، وبقدر ما يتوفر من إمكانيات العيش فى بيئة نظيفة وتنمية مستدامة .. فضلا عن ضرورة قيام شراكة عالمية واسعة النطاق من أجل تحقيق كل هذه الشروط والمطالب.
على قاعدة هذه الأمانى والنوايا والأمانى الطيبة أصدر قادة العالم وثيقة  عرفت باسم « الأهداف الإنمائية للألفية « تتضمن ثمانية وعود محددة . يتعهد المجتمع الدولى ممثلا فى قادته بإدراكها قبل حلول العام  2015 مسيحى .
تخفيض نسب الفقراء والجوعى فى عالمنا إلى النصف ،  وتوفير فرص العمل لكل طالبيه .
تمكين جميع أطفال العالم / ذكورا وإناثا / ودون استثناء من فرص التعليم الابتدائى .
إلغاء جميع صور التمييز / تدريجيا /  بين النساء والرجال فى جميع مراحل التعليم .
تمكين المرأة من حقوقها ومسؤولياتها .
تخفيض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة إلى ثلث ماكانت عليه  وتخفيض معدلات وفيات الأمهات إلى ربع ماهي عليه .
وقف انتشار أمراض نقص المناعة ، والملاريا ، والسل ..وإيجاد علاج  حاسم لفيروس نقص المناعة والقضاء على المرض قبل عام2015 م.
وقف الانهيار فى التنوع البيولوجى ، وتوفير مياه الشرب ، وتحسين  أحوال الحياة فى الأحياء الفقيرة .
قيام شراكة عالمية ، وإلغاء التمييزالمالى والتجارى ، ومعالجة ديون  الدول الفقيرة ، وتلبية حاجات الدول ألأقل تطورا ، ومراعاة أحوال الدول غير الساحلية ، والجزر .
ولقد مرّت على هذه الوعود الموثقة عشر سنوات ، ولم يتبق من الزمن  المحدد لتنفيذها سوى خمس سنوات .
والآن يجتمع القادة من جديد ليقيموا مافعل العالم بوعوده .!! وليصححوا  المسار بإتجاه الوفاء بها قبل الموعد المحدد ..إذا كان ذلك ممكنا ..!!
وبهذه المناسبة جهزت الأمم المتحدة ، ومنظماتها المتخصصة تقاريرها.. وأصبحت هذه التقارير بانتظار القادة..حيث تنتظرهم فيهاالحقائق المريرة التالية :ـ
اولأ : أن الأزمة الإقنصادية العالمية ، قد أدت إلى إبطاء المسيرة نحو  تخفيض معدلات الفقر ، وأن تدهور سوق العمالة الناتج عنها قدأدى الى  انهيار حاد فى فرص العمل المتاحة ، وقبول أعداد هائلة لأعمال بأجور  متدنية ، فى ظروف مهينة ..ولهذا كله تزايد عددالعمال الذين يعيشون فى فقر مدقع ، كما تجاوز عدد الذين يعانون الجوع حدود المليار نسمة بدلا  من 88 مليونا فى بداية الألفية..بالإضافة الى أن الصراعات  والاضطهادات قد أخرجت أكثر من 42مليونا من ديارهم .. وأضافتهم  إلى قوائم الفقراء والمشردين .
ثانيا : أنه رغم الجهود التى بذلت لتعميم التعليم الابتدائى فإن حال أفريقيا جنوب الصحراء ، ودول جنوب آسيا يشهد بزيادة عددالأطفال غير  الملتحقين بالمدارس ، كذلك فإن عدم المساواة فى فرص التعليم بين  الفتيات والفتيان يهدد أى تقدم باتجاه تحقيقالأهداف..حيث لايزال حق  المرأة فى التعليم بعيد المنال ..ولايزال الفقرعائقا يحول دون تعليم الفتيات من كبار السن .
ثالثاأن عددالنساء العاملات فى كل دول العالم النامى أقل من عدد  الرجال ، وغالبا ما تكون وظائفهم مؤقتة وغير مضمونة ، مع زيادة  ملحوظة في من يشغلن مناصب سياسية ..وهى زيادة لاتتعلق بجهود  الأغنياء بقدر ما تتعلق بوعى الشعوب .
رابعا :وإذا كان مؤشر وفيات الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة قدإنخفض  بنسبة طفيفة إلا انها ليست كافية لبلوغ الهدف .. فى الوقت الذى بقيت النسبة على حالها فى أشد المناطق فقرا .
خامسا : تؤكد التقارير أن معظم نساء العالم يلدن دون توفر الرعاية  الصحية ..كما يؤدي الفقر وانخفاض التحصيل العلمى إلى ارتفاع معدلات الولادة بين المراهقات ..وصعوبات تمويل برامج تنظيم الأسرة .
سادسا : ارتفع عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة من سبعة  ملايين إلى مايزيد على خمسة وثلاثين مليونا ..وهى نسبة تفوق نسبة زيادة إمكانيات العلاج ، فى وقت تفتقر فيه الأجيال الشابة إلى حماية نفسها من مخاطره .. بحيث  يمكن القول إنالعالم قد تعايش مع المرض دون أن يواجهه.
 سابعا :الفشل الذريع فى المحافظة على التنوع البيولجى ، وفى مواجهة  مخاطر التصحر ، والتغيرات المناخية ، وزيادة الأنواع المهددة بالانقراض .. فضلا عن نقض إمدادات المياه ، والصرف الصحى ، وتردى حالة الأحياء الفقيرة ... وكلها تحديات خطيرة لمستوى الحياة على سطح الكوكب.
ثامنا : وأخيرا فإن حجم المعونات الدولية الموجهة ..أقل كثيرا مما كان  مقدر« 7%   «..مع الانهيارالكامل للمعونات الموجهة إلى قارةأفريقيا من خمسة  وعشرين مليارا إلى إحدى عشر مليارا فقط !!
هكذا فإن وعود المجتمع الدولى للفقراء سقطت جميعا فى شراك الأزمة  الإقتصادية للنظام الرأسمالى .. وبقي ثلاثة أرباع سكان على حالهم من الفقر والفاقة ، يحلمون بعالم جديد أكثر عدلا واستقرارا  وأمنا .
وبعيدا عن تقارير الأمم المتحدة تتبدى لنا الأسباب الحقيقية لهذا
 الفشل الذريع ..معروفة ومكشوفة وواضحة وضوح الشمس..
يتجاهلونها خوفا وحرجا من مسؤوليات مواجهتها .. ونجدها فى مجموعة من الحقائق الكاشفة
أول هذه الحقائق ..أن وعود الألفية لايمكن أن تتحقق فى إطار النظام  السياسى العالمى السائد ..لأنه نظام يقوم على التفاوت ،وعلى تكريس  سلطة العالم فى قبضة طرف واحد من اطرافه ..وأنه يقوم على تقسيم  وظيفى مؤداه « أن تحلم الجمعية العامة بماتشاء ، أن يحكم أصحاب  الفيتو بمجلس الأمن بما يريدون «..
.ثانى هذه الحقائق .. أن جميع المعوقات التى حالت وتحول دون تنفيذ  أحلام مليارت من البشر ..هى سمات للنظام الراسمالىالعالمى..فهو الذى يعمق الاتقسام بين أغنياء العالم وفقرائه ..والأزمات المالية الدورية جزء لايتجزامن تكوينه ..والمتاجرة بصحةالبشر ، واستنزاف البيئة ، والقضاء على التنوع الحيوى ..كلها بسبب الشراهة فى طلب الأرباح  تحقيقا لحدها الأقصى !
ثالث هذه الحقائق ..أن ازدواجية المعايير التى تحكم العلاقة بين أطراف  النظام الدولى الراهن ..والتى تقوم على توازن المصالحفيما بين الأغنياء ، وعلى توازن القوة فيما بين الأغنياء والفقراء ..مثل هذه الإزدواحية  لايمكن أن تسمح بنمط محايد للتنمية ، أوبتبادل أو بتعاون دولى على  طريقها .
إن النظام السياسى العالمى السائد ، والمنظومة الرأسمالية السائدة ..  تتضافران معا ، فى بناء ثنائية تزداد رسوخا - يوما بعد يوم-.. ثنائية يسمح فيها النظام السياسي العالمي لفقراء العالم / فى « منتدى  الأمم المحتدة « / أن يسربوا أحلامهم كما يحلو لهم   !! ويسمح لأغنيائه / فى ذات المنتدى / أن يواجهوا الأحلآم بقدر الوعود .. بعد ذلك تتجه المنظومة الرأسمالية السائدة بتحطيم هذهالأحلام  تحطيما ..وتحويلها الى كوابيس ثقيلة ومرهقة !!
وبعد .. فإن البائسين فى هذا العالم المقهور لايستطيعون الاكتفاء بتعاطى  الأحلام والأوهام الى الأبد..و أن وعيهم بما يحيط بهموبمطالبهم يزداد وضوحا ...إن أحلامهم المشروعة لا تتحقق إلا فى ظل نظام سياسى عالمى جديد..يتأسس على العدالة والتكافؤبين الشعوب ..ولامكان فيه للتمييز أو  التفاوت أو التهميش ..ويؤسس لشراكة عالمية خصبة بين الثقافات  والحضارات.
 ويبقى لقادة وحكام الدول النامية ..الذين يشاركون فى « منتدى الجمعية  العامة للأمم المتحدة حول الأهداف الإنمائية للألفية«..إما أن يواجهوا  حقيقة المأزق الذى وضعوا فيه ..أو أن يستسلموا إلى جرعة أخرى  من خدر الأحلام والأوهام .
محمد رضا طلبة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق