الجمعة، 8 أكتوبر 2010

ثورة الفاتح في حوارات هيكل

التعليق على كتابات أو أحاديث كاتب وصحفي كبير بحجم الأستاذ محمد حسنين هيكل ، يتطلب قدرا كبيراً من الحذر واليقظة فهو بطبيعته لايترك لمن يأتي بعده اختيارات واسعة .. فلا فرصة في أحاديثه أو تجربة حياته للتأويلات لأنها تجربته هو وتأويله الشخصي لما رأى أو سمع أو عرف من أحداث وتجارب ومواقف .. ولا يملك المعلق إزاءها إلا أن يعيشها على رؤيته الخاصة لذات الأحداث والوقائع والمواقف أو يكتن موقفاً ، أو أن يعيد ترتيب الأحداث بصورة مغايرة لتبرز معنى لم يتضح ، أو يفرز الوقائع بحثاً عن إجابة لسؤال معلق ، أو معنى ملتبس ، أو بحثاً عن درس مستفاد لمستقبل الأيام وحين نقرأ فصل الفاتح في حوارات هيكل فإن علينا من البداية أن نعلن كيف نرى القراءة الرشيدة لهذا الفصل المهم من حياة الأمة والعالم .. الذي قدمه هيكل في ثلاثة أجزاء على ثلاث حلقات متتالية في قناة الجزيرة ،.. وفي هذا الاتجاه .. فإن علينا أن نوضح ما يلي إننا مثله ننشد الحقيقة ونلح في طلبها ، وبنفس المنهج الذي اعتمد إليها ومن نفس المداخل والبوابات التي أعلن عنها في بداية حديثه عن ثورة الفاتح العظيمة إننا في ذلك على اتفاق كامل مع هيكل لانرى في حركة التاريخ طوفاناً يتدفق بالمصادفات كما اتفق !!
ولا نؤمن بأن على البشرية أن تستسلم للكسل ، أو أن تظل بلا فعل انتظاراً لمن ينقذها من الأبطال والمشاهير !!
.. إننا نرى مثله أن التاريخ له عقل ، وأن حركته تتمثل في سعي الشعوب لتحقيق أمنها ومصالحها وحريتها ، وهي حركة مفهومة قابلة ، للتفسير لاتعطي ثمرتها دون بشر ، يفهمون الاشارات ويترجمون لغتها ، ويعرفون كيف يستخدمونها من تطوير حركة البشر ـ بصورة أفضل في اتجاه الحرية وإننا كذلك نؤمن أن كل حدث في التاريخ وكل فعل في السياسة لاتظهر أهميته إلا من خلال إطاره الجغرافي ، وفي ظروفه الزمنية ، وملابساته التاريخية بدون ذلك تضيع الحقيقة ، وتتبدد أهمية اللحظات الفارقة في حياة الأمم والشعوب ورغم الاتفاق على مسلكه ومنهجه ، فإن هناك ملاحظة لا تستقيم القراءة بدونها .. ذلك أنني من المؤمنين .. ومن وجهة نظر شخصية وخاصة بأن محمد حسنين كان من الممكن ومن الطبيعي أن يكون قريباً من تجربة الفاتح بنفس قربه من ثورة عبد الناصر .. لكن هذا لم يحدث ربما لأنه كان وزيراً للسادات عندما تباعدت المواقع وربما خوفاً من تجريم لكل اتصال مع الجماهيرية وربما لأنه لم يكن من المتحمسين لإعلان نظرية عامة وربما لأنه كان متوجساً من فكرة العمل السياسي خارج مصر .. مع أنه ممن شاركوا في صياغة شعار وحدة القوى الثورية العربية .. وربما يكون لهذه الاسباب جميعاً المهم أن هيكل لم يمنح لنفسه الفرصة أن يفهم بعمق ما جرى في الجماهيرية في جذوره العقائدية العميقة .. مكتفياً برصد المواقف والتداعيات وعلى خرائط السياسة العالمية والإقليمية ولعلي أقول أن الظروف التي حرمت هيكل أن يعيش نبض الثورة الجماهيرية ـ هي نفسها التي حرمت الجماهيرية من الاستفادة بعطائه الصحفي والإعلامي مع ذلك ورغم ذلك فإن الأمانة تقتضينا التأكيد بأن ما طرحه عن ثورة الفاتح العظيمة في ثلاث حلقات متتالية تعتبر تعبيراً صادقاً وأميناً عما شاهد وسمع وعرف .. وإنه في هذا المجال قد قدم شهادة أمينة وصادقة تستحق أن تقرأ وأن تحلل ، وأن يستفاد منها كذلك تقتضينا أصول القراءة الرشيدة أن نلزم حدود ما تحدث عنه وإلا نخوض فيما سكت عنه وأرى أن حجم المسكوت عنه في تتبع مسار العلاقات المصرية الليبية بعد عبد الناصر يدخل كلمة في نطاق المسكوت عنه . مع سبق الإصرار والترصد ووفقاً لهذه الرؤية وعلى هذا الاتفاق المبدئي .. فإنني أتقدم بهذه القراءة في فصل الثورة الليبية في حوارات هيكل ... بحثاً عن معدن هذه الثورة من وجهته .. وعن موضعها في تاريخ أمتنا ، وعن مدى تعبيرها عن ضمير هذه الأمة ، وعن موقعها من عبد الناصر وموقع عبد الناصر منها ، وعن المخاطر التي كانت تواجهها والمخاطر التي كانت تتربص بها
بقلم : محمد رضا طلبة